برج الكاتب العربي!

نشر في 02-04-2013
آخر تحديث 02-04-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي ربما يعود السبب وراء مقولة: "الكاتب يعيش في برجه العاجي"، إلى طبيعة الكتّاب في عهود سابقة، حينما كان التعليم حكراً على أبناء الذوات، وحينما كان نبوغ أحدهم يعني اعتلاءه لبرج عاجي خاص به يميّزه عن باقي أقرانه، إضافة إلى أن عموم المواضيع التي يتناولها الكتّاب في أعمالهم الإبداعية ومقالاتهم الصحافية عادة ما تشكّل رؤية شخصية لقضية ما. ولأن للمبدع عيناً تختلف عن عين الإنسان العادي، من خلال إدراكه العميق لما خلف الظاهرة الاجتماعية، فإن تناول قضايا بعينها قد يبدو للبعض وكأنه ترف فكري، أو تناول خارج ما تقتضيه اللحظة الراهنة.

إنني وبعد ما يزيد على العقود الثلاثة من الكتابة، ومعرفة وثيقة بصداقات حميمة بكتّاب العالم العربي كأصدقاء وكمبدعين أقرأ لهم، استطيع أن أقول دون تحفظ أن المبدع العربي، والكاتب تحديداً يعيش في برج من البؤس والوجع. فلا أبالغ إذا قلت إن الإبداع يكاد يكون نقمة على المبدع العربي، فالإبداع يحتاج بالدرجة الأولى للتفرغ، والكاتب العربي من المحيط إلى الخليج يعيش في عوز يجبره على أن يعمل في وظيفة حكومية أو أهلية إلى جانب اشتغاله بالكتابة، وهكذا انتفى عنه الشرط الأساسي في التفرغ للقراءة والكتابة. أضف إلى ذلك أن الكتّاب العرب في معظمهم يتحدرون من أصول اجتماعية وأسر بسيطة، ولا أظنني أكشف سراً إذا قلت فقيرة، لذا فإن الكتابة بالنسبة لهم همٌّ فوق همّ حياتهم. همٌّ في وعيهم المتطور عن الوعي الشعبي البسيط، وهمٌّ بشعورهم بضرورة كتابة كلمة حق حول ما يعيشونه، وهمٌّ مادي في وصولهم للكتاب، وهمٌّ مادي في طباعة كتبهم على حسابهم الخاص، وأخيراً همٌّ قد يودي بحياة بعضهم بسبب من جراءته أو قوله لكلمة حق في بلدان لا تؤمن لا بالحرية ولا بالديمقراطية، وكم وكم من كتّاب عرب قضوا جل سنوات أعمارهم في السجون لا لشيء إلا لأنهم كتبوا رواية أو قصيدة أو قصة.

إن وضع الأمية المتفشية في الوطن العربي، التي تتجاوز في بعض البلدان نسبة الستين في المئة، وطبيعة الأوضاع الاجتماعية المأساوية البائسة التي تعيشها الشعوب العربية، ووضع الكاتب العربي المنهك، يفسر بشكل واضح صعوبة وضع الكاتب العربي، وقلة حيلته، وبما يجعل من ممارسته لدوره الريادي الطليعي في الكتابة الإبداعية والتعبير عن رأيه في مجتمعاتنا العربية بطولة كبيرة تستحق الإشادة. لكن، اللافت للنظر هو إصرار الشباب العربي، خاصة بعد انتشار الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، إصرارهم على السير على درب الكتابة، وإصرارهم على قول كلمتهم الحرة، وتحملهم لأية عواقب تنتظرهم جراء ذلك، وكم يدعو هذا للفخر والفرح.

إن أي شاب عربي يبدأ الخطو على درب الكتابة يُدرك تماماً أن الكتابة لن تجلب له مالاً، ويعرف تماماً أن هذا الدرب مليء بالعثرات، وسيلاقي كتّاباً سبقوه يخبرونه بأن لا شيء يشد من عضد الكاتب طري العود إلا القراءة، وأنها القراءة هذه المدللة لا تفتح قلبها إلا بالوحدة والتوحد، وأن الكتابة جهد ومران صعبان، لكن الشباب العربي المقبل على الكتابة يصرّ بشكل يبعث الأمل في القلب على تحمل كل شيء والسير على درب القراءة والكتابة.

لن يكون للكاتب العربي برج عاجي، ولن يطبع نسخا بالملايين وبالتالي تدر عليه كتبه أموالاً طائلة، ولن يسير في شارع عام ويتجمع من حوله المعجبون والمعجبات طالبين توقيعه على كتبه. لكنه الكاتب صانع لحياة تبزّ حياة الواقع بقدرتها على الإتيان بما يعجز الواقع عن فعله، وبما يسهل من وجع الواقع ويجعل الحياة محتملة وقابلة للعيش.

back to top