هشام مطر في «اختفاء»... بورتريه للخطف السياسي
يتناول الروائي الليبي هشام مطر في روايته الأولى {في بلد الرجال} التجارب القاسية التي عانتها أسرته من نظام معمر القذافي، وفي روايته {احتفاء}، المترجمة حديثاً عن {دار الشروق} بتوقيع محمد عبد النبي، يسلط الضوء على الآثار التي تركها اختفاء الأب على حياة ابنه، ويقدم من خلال أبطالها تأملاته في كيفية متابعة الإنسان الحياة بعد اختفاء أقرب أحبائه عنها.
يستوحي هشام مطر في روايته شيئاً من سيرته وسيرة والده الذاتية، لكنه لا يستخدم أسلوب السيرة الذاتية بشدة، إذ تسرد روايته، من خلال الابن، الألم الذي يسببه اختفاء الأب بشكل غامض ومفاجئ، وسعيه مع منى زوجة والده للبحث عنه، وهو ما يجعلهما يكتشفان تفاصيل كثيرة ومدهشة كانا يجهلانها عنه.نقرأ من رواية هشام مطر: {نوري ولد صغير، عندما توفيت والدته بدا له أن فراغ الموت الغريب الذى تركته والدته لا يملؤه شيء، كان الولد الصغير يعيش مع والده في شقة بالقاهرة مليئة بأسى الفراق الموجع، حتى قابلوا منى وهي تجلس بجانب حوض السباحة في فندق ماجدة وهي ترتدى بدلة السباحة، وعندما شاهدها نوري شعر بأن الكون قد تلاشى، لكن والد نوري وقع في حب منى، الفتاة المصرية من أب انكليزي، وتزوجها.
تقلب الفتى ضمن مشاعر الرغبة في الاختفاء، فأُرسل إلى مدرسة إنكليزية بعد زواج والده، وكانت تتشكل لديه رغبة غريبة مخفية متمثلة في تمنيه الاختفاء لوالده حتى يتمكن من التواصل مع منى، وكانت هذه الرغبة المقموعة مستغربة لطفل صغير لم يصل إلى مرحلة البلوغ.تحققت رغبة الطفل بعدما تعرض والده لعملية خطف سياسي واختفى قسرياً خارج حدود المكان المعلوم، وظل الطفل يبحث عن والده بمساعدة منى، لكنه ظل أسير تلك الليلة المشؤومة التي خطف فيها والده، وكلما تكشفت الحقائق تلاشت الحميمية الأبوية وزادت مساحة الزمن الرمادي، وبعد تخرجه في مدرسة لندن ظل الشاب نوري أسير إحساس الندم والصمت المرتبط باختفاء والده.كثيرًا ما كان يشعر بالذنب وكأنما قد تخلى عن والده، وكان يرتدي ساعة والده ويحلم بمواصلة حياة أبيه المفقود، فلا عجب في أنَّه، في يوم ما، أدار ظهره لأوروبا وعاد أدراجه إلى القاهرة إلى منزل والده، إلى الخدم المقيمين هناك وإلى الأصدقاء، لكي يواصل، مثلما يبدو بكلِّ إصرار، حياة والده؛ يجلس في مكتبه ويجرِّب قياس ما بقي من ملابسه. ويظل الابن مقيماً في منزل أبيه، يرتدي ثيابه ويزور الأماكن التي كان يزورها معه}.دفع هذا الأمر الروائية أهداف سويف إلى أن تكتب {هشام يعرف كيف يثير العواطف والكوامن؛ إنه يخلق تأثيره، سواء على الصفحة أو في جهازنا العصبي بأقل الكلمات وأدلها. لقد فُتِنْت}.نوستالجيا ومع أنَّ كلّ الأدلة كانت تشير إلى عملية اختطاف سياسي، لكن هذه القضية ظلت من دون حلّ. ومنذ هذه اللحظة يتحتَّم على نوري التعايش مع حقيقة مفادها ألا أحد يستطيع أن يقول له أين والده أو حتى إن كان لا يزال على قيد الحياة.العنصر الأساسي في الرواية هو حالة النوستالجيا أو الحنين التي يعيشها الابن ومدى هوسه بالعثور على أبيه وإصراره على معرفة تفاصيل اختفائه وأسبابه.الاختفاء في رواية هشام مطر حالة خاصة من الخسارة، فعندما يموت شخص يتملكنا حزن لكن يصبح لدينا يقين النهاية. أما عند اختفاء أحد فلا وجود للنهاية. الاختفاء هنا ليس اختفاء إنسان فحسب بل اختفاء أشياء أخرى، منها ضياع الإحساس بوجود وطن حقيقى. يشعر بذلك المنفيون والمغتربون بل حتى من لم يتعرضوا للنفي. يختفى الوطن حين لا يوفر الأمان والراحة لمواطنيه.ما يكتبه هشام مطر عن والده في ليبيا ينطبق على آلاف الأشخاص الذي خطفوا في لبنان خلال الحرب وكتبت عنهم نصوص كثيرة، وقريباً ستظهر نتائج الخطف في سورية، هذا المنطق الراعب يعيشه كثيرون في العالم العربي الذي ما زال في معظمه تحت سلطة الطغاة.سيرةولد هشام مطر في نيويورك لأبوين ليبيين، أمضى طفولته بين طرابلس والقاهرة، ويعيش الآن في لندن ونيويورك حيث يعمل مندوباً في كلية بارنارد في جامعة كولومبيا.من أبرز أعماله: «في بلد الرجال» التي اختيرت في القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر» وجائزة «الغارديان للكتاب الأول» فى بريطانيا، وجائزة «حلقة نقاد الكتاب الوطني» في أميركا، علاوة على نيلها جوائز أدبية دولية وترجمت إلى 28 لغة.ويعتبر هشام مطر أشهر كاتب ليبي بالإنكليزية حالياً، وكان والده جاب الله مطر أحد ضحايا حملة تطهير قام بها القذافي أوائل تسعينيات القرن الماضي، متهماً الذين شاركوا فيها من العاملين في أجهزة الدولة بالرجعية وخيانة الثورة، إثر ذلك هرب الوالد من بطش القذافي مع أسرته الصغيرة إلى القاهرة، حيث ألقي القبض عليه وأعيد إلى سجن «بوسليم» الرهيب بليبيا.