واشنطن قادرة على مساعدة العراق المضطرب من دون قوات مسلحة
من المؤكد أن هرب أعضاء «القاعدة» الفارين من سجني العراق سيؤجج المزيد من أعمال العنف لا في العراق فحسب، بل في سورية المجاورة، حيث يخوض التنظيم حرباً ضد حكومة بشار الأسد، فضلاً عن مجموعة من الثوار أكثر اعتدالاً.
أعلن دينيس ماكدوناه، الذي كان آنذاك مستشار الرئيس باراك أوباما لشؤون الأمن القومي، متحدثاً عن قرار شهر أكتوبر عام 2011 بسحب كامل القوات الأميركية في العراق بعد تلك السنة: "كنا نتطلع إلى دولة عراقية آمنة، ومستقرة، وقادرة على الاعتماد على ذاتها. وهذا ما نراه هنا اليوم؛ لذلك لا شك أننا نجحنا في مهمتنا". ولكن يتضح اليوم أن كلام ماكدوناه هذا كان سابقاً لأوانه. فبعد نحو 21 شهراً، يواجه العراق أسوأ موجة عنف منذ زيادة عدد الجنود الأميركيين لوقف الحرب الأهلية الطائفية عام 2007، وتبدو قدرة الولايات المتحدة على المساعدة محدودة نتيجة قرار أوباما سحب كامل القوات الأميركية.استقطب صراع العراق المتجدد كل الاهتمام الأسبوع الماضي بسبب هجوم تنظيم "القاعدة" المفاجئ على سجنَين، أحدهما سجن أبو غريب قرب بغداد. أسفر هذا الهجوم المنظّم عن هرب مئات السجناء الأمنيين، بمن فيهم عدد من كبار قادة تنظيم "القاعدة"، ومن المؤكد أن هربهم هذا سيؤجج المزيد من أعمال العنف لا في العراق فحسب، بل في سورية المجاورة، حيث يخوض تنظيم القاعدة حرباً ضد حكومة بشار الأسد، فضلاً عن مجموعة من الثوار أكثر اعتدالاً.
تتصاعد وتيرة إراقة الدماء في العراق بشكل حاد منذ بعض الوقت، فخلال الأشهر الأربعة الأخيرة، قُتل نحو 3 آلاف شخص وجُرح 7 آلاف آخرون، وفق أرقام الأمم المتحدة. وكان هؤلاء بأغلبيتهم من المدنيين الذين سقطوا في تفجيرات تنظيم "القاعدة" واعتداءات الميليشيات السنّية والشيعية، التي عادت لتنشط في بغداد وشمال البلاد. ومن الأسباب التي دفعت بكل هذه القوات إلى التحرك مجدداً الحرب السورية، التي تضع السنّة في وجه الشيعة والطائفة العلوية. لكن اضطرابات العراق تعود أيضاً إلى السياسات الطائفية الضيّقة وشبه المستبدة لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي حاكم القادة السنّة في حكومته وأرسل الجنود لمهاجمة مخيم للمتظاهرين السنّة. أقدم المالكي أخيراً على خطوات صغيرة هدفها تضييق الصدع الطائفي في البلاد، فبدأ التفاوض مع السلطات الكردية التي تسيطر على منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق. كذلك أجرى الانتخابات الإقليمية المرجأة في المحافظات ذات الأغلبية السنّية. ولكن ثمة حاجة إلى تدابير أكثر حزماً بغية الحؤول دون انحدار العراق مجدداً نحو هاوية الحرب الأهلية. ورغم انسحاب القوات، ما زالت الولايات المتحدة تملك بعض النفوذ، ومن الضروري أن تستخدمه اليوم.قدّمت إدارة أوباما منذ بعض الوقت دعماً غير مشروط للمالكي، وآن الأوان اليوم لتبلغه أن مواصلة المساعدة العسكرية الأميركية، بما فيها تسليم أنظمة أسلحة كبرى كانت قد وعدته بها، تعتمد على إسقاط الحكومة الدعاوى القضائية ضد القادة السنّة والتوصل إلى اتفاق مع الأكراد بشأن خلاف تؤججه الصراعات على الأراضي والعائدات. كذلك على البيت الأبيض أن يصر على أن يكبح المالكي جماح الميليشيات الشيعية.في الوقت عينه، ينبغي للبيت الأبيض أن يدرس ما إذا كان باستطاعته تقديم المزيد من الدعم للقوات العراقية المسلّحة (في مجال الاستخبارات والتدريب والعتاد) بغية مساعدته على التصدي لخطر "القاعدة" المتنامي. فإن لم تواجَه القوات المتطرفة في العراق بفاعلية، فستصبح عاجلاً أو آجلاً مشكلة أخرى من مشاكل الولايات المتحدة الأمنية.