-1-
نُشرت الكثير من الكتب والدراسات الجامعية في مجال "الأكاديميا" بشكل عام، في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين الماضي، في الصحافة العربية، وفي وسائل الإعلام الأخرى التي كانت متوافرة في ذلك الوقت، وعلى رأسها الراديو.فلم يكتفِ العقاد، وطه حسين، وحسن الزيات، ومصطفى صادق الرافعي، ومحمد حسين هيكل، وغيرهم – مثلاً - بإصدار الكتب، وإلقاء المحاضرات في الجامعات والأندية الأدبية، وإنما راحوا يكتبون في الصحافة، التي أنشأ معظمها في مصر المفكرون "الشوام" المهاجرون إلى مصر، هرباً من الاضطهاد العثماني والفرنسي، في ذلك الوقت.ثم راح هؤلاء يُصدرون كتباً بالمقالات التي سبق أن نشروها في الصحافة، كما فعل طه حسين في 1925 في "حديث الأربعاء" (3 أجزاء) الذي كان عبارة عن المقالات الأدبية، التي نشرها في جريدة "السياسة" القاهرية في العشرينيات من القرن الماضي. وكذلك فعل العقاد في بعض كتبه التي كانت عبارة عن مقالات، سبق أن نشرها في جريدة "الأخبار" القاهرية، كذلك.-2-وتركيز الكتابة في الصحافة، لم يكن مقصورا على المفكرين، والفلاسفة، وكبار الكتّاب العرب والمصريين، فقد سبق أن كتب رائد المقالة في الأدب الأوروبي (ميشيل دي مونتان)، والفيلسوف الإنكليزي (فرنسيس بيكون)– كما جاء في كتاب إبراهيم الإمام ("دراسات في الفن الصحافي"، ص 180)– في الصحافة الأوروبية ليكسبا مزيداً من القراء، ومزيداً من الانتشار لأفكارهما.-3-لقد اعتُبر كاتب المقال الصحافي قائد فكر، فمنذ القرن السابع عشر، حيث يتحدد دوره في النظام الاجتماعي من خلال ما يقوم به من مهام، والوضع الذي يراه جمهور القراء عليه. والكتّاب الصحافيون من رجال الفكر، هم الذين يبتكرون دائماً أفكاراً جديدة، ويستخدمون لغة جديدة، ويحترمون ذاكرة القراء.فالوسيلة الصحافية، ظاهرة اجتماعية، وليست فردية. فهي مُلكٌ للناس جميعاً، وعليها أن تكون صادقة مع الناس جميعاً، ولا تخدعهم.ويقول طه حسين، إن "النزاهة الصحافية"، التي يقوم عليها الضمير الصحافي في نموذج الاتصال الجماهيري، تسعى لتزود القراء بالإعلام الموضوعي والحقائق الثابتة، التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة ما، أو في مشكلة من المشكلات.فليس الإعلام إذن، مجرد فن لذاته، فهو فن يهدف إلى تحقيق غايات معينة، وأداء وظائف محددة، كما يقول إبراهيم الإمام في كتابه المذكور ("دراسات في الفن الصحافي"، ص 57). وقد كان طه حسين، يهدف من الاتصال بالقراء الى التثقيف، والتوجيه، والتفسير، والتنشئة الاجتماعية، كما يرى الباحث المصري عبدالعزيز شرف في كتابه ("طه حسين وزوال المجتمع التقليدي"، ص 141). ويُبرز شرف في كتابه، تركيز طه حسين الشديد، في مقالاته الصحافية على أهمية التعليم للأمم. فبناء التعليم هو الذي يهيئ "قوة الدفاع الوطني".-4-كتب طه حسين في مجلة "الهلال"، في عام 1934، مقالاً يُعرِّف فيه "من هو المثقف؟"، وقال في هذا المقال، إن الوظيفة الثقافية، تمتد لتشمل الثقافة بمفهومها الاجتماعي. ويعتقد طه حسين أن هدف الاتصال بالناس– عن طريق الصحافة- هو بث النشاط، والحركة، والبناء، والإبداع، وعدم الوقوف في العلم والمعرفة عند علم من العلوم، أو معرفة من المعارف. وبذا، تصبح الوظيفة الثقافية للاتصال بالناس أوسع من وظيفة التعليم. ولكي يؤدي المقال الصحافي مهمته في الوظيفة الثقافية، فإن على كاتبه أن يعيش مع الناس، في العصر الذي يعيشونه، ويفهم حياة الناس من حوله، ويعرف موضع حاجتهم الى الانتفاع بثقافته. وعلى الكاتب أن يتعمَّق في فهم الظروف التي تحيط بالناس القراء، ليضع ثقافته موضع الحاجة إليها، وليُشعر القراء من أنه نافع لهم حقاً، يعلمهم ما لم يتعلموه، ويدلهم على سُبل الرقي على ما لم يهتدوا إليها.ومن هنا نرى– كما يرى عبدالعزيز شرف– أن الثقافة، في الوظيفة الاجتماعية للاتصال بالناس عند طه حسين، ترتبط بالمعنى الاشتقاقي لها، وهو الارتباط بالمعنى الإنساني، والخبرة الحية، والامتحان، والتجربة، والعمل.وهي لذلك، ترتبط بالمعنى العام للاستراتيجية الحضارية، لتكوين الشخصية العصرية، وتهيئة الفرد لاستخدام أساليب التعامل مع الناس.-5-يعتقد كثير من مفكري العصر الحديث- ومنهم طه حسين- أن الصحف والمجلات وكذلك الراديو– حيث لم يكن التلفزيون قد ظهر بعد- أكثر اتصالاً بالجماعات، وأكثر تغلغلاً من الكتب. ووسيلة الاتصال الصحافي في ضوء هذا الفهم، يجب ألا تتملق الغرائز، وأن تكون وظيفتها تهذيب الغرائز، وأن تكون صحافة رأي، تهتم بتثقيف عقول القراء، فجوهر الحركة الفكرية، هو التجديد العقلي.ولم يشهد طه حسين، تأثير التلفزيون الكبير الذي بدأ بالبث من مصر 1962، ورحل طه حسين 1973، بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، ولو عاش في وسطنا الآن، وشاهد أثر الفضائيات، والإنترنت، والمواقع الإلكترونية المختلفة الكثيرة التي نشأت، لأصابه ذهول كبير، ولربما نفى نفياً كلياً أهمية الكتاب، ودوره في نشر الثقافة. ولربما دعا معظم الكتّاب إلى الكتابة في الصحف، لكي يتواصلوا مع القراء، ويكوّنوا الجمهور العريض، كما هو حاصل الآن، بالنسبة إلى كثير من الكتّاب الذين تركوا منابر الخطابة، واتجهوا للكتابة في الصحافة، مما أنعش الصحافة، ودبَّ فيها الحياة والحيوية من جانب، وأثار عدة قضايا ساخنة كانت مخبأة في زوايا المختبرات وأدراج "الأكاديميا"، ومن المسكوت عنها، من جانب آخر.ولكن، رغم انتشار القنوات التلفزيونية الفضائية، والإنترنت في هذا المجال الواسع، وعلى هذا المستوى الكبير، فلا يزال الكتاب، وما زالت الصحيفة الورقية، مصدرين مهمين من مصادر المعرفة، وخاصة بين شعوب "العالم الثالث". وعلى الإعلام من خلال الفضائيات، ومن خلال الورق، والإنترنت، لعب دور إيجابي مهم في معركة "الربيع العربي" الآن بوعي وإيجابية، فنحن نرى الآن الدور المهم، والأثر البالغ، الذي يلعبه الإعلام في الشرق والغرب في مسيرة "الربيع العربي"، سلباً وإيجاباً.* كاتب أردني
مقالات
دور الإعلام المهم في «الربيع العربي»
02-10-2013