"... وانتهيت من دراستي الجامعية، وعملت في مؤسسة استثمارية لمدة خمس سنوات، فاخترت أن أتبع ما أحب وأعشق من العلوم والهوايات، وانتهى بي الأمر إلى دخول مجال التعليم غير التقليدي لدراسة أصول الإرشاد النفسي والحصول على شهادة نفعتني في عملي الحالي، وهو سر نجاحي". جزء من حديث شابة كويتية التقيت بها أثناء حضوري مؤتمر المرأة والتنمية بالجامعة العربية المفتوحة.
وهي جملة نسمعها سنوياً أثناء مشاركتنا بمؤتمرات وورش عمل تتناول الفجوة بين التعليم وسوق العمل, أو بالأحرى العلاقة العكسية بينهما والتي ظهرت مؤخراً, فكلما ازداد استثمارنا بالتعليم ازدادت خيبة الأمل بالتوظيف, وكشف حديث الشابة معي غياب دور المرشد في فترة ما بعد التخرج من التعليم الثانوي لإرشاد الطلبة في اختيار التخصص الذي يناسب شخصياتهم وطموحاتهم، وبدلاً من الإرشاد يصطدم الطالب بقائمة من التخصصات الجامدة التي تطرحها وزارة التربية والتعليم أو برامج التعليم العالي.وفي حادثة أخرى أمتعنا الدكتور غانم النجار مؤخراً أثناء حديثه لطلبة مدرسة البيان بقصة مشابهة لابنته وانتقالها من الوظيفة التقليدية المعتمدة على التعليم النظامي إلى الهواية غير التقليدية وهي اليوغا المعتمدة على التعليم غير النظامي، واكتساب المهارات، محققة بذلك الرضا الوظيفي عبر ممارسة هوايتها.إذن فنحن أمام ظاهرة جديدة وهي تنقل الخريجين بين العمل والهواية، والانتهاء بتطوير الهواية إلى مشروع مربح يجمع الرضا النفسي بالمردود المادي, وقد يكون السبب الوعي المبكر لأبنائنا الطلبة بما هو متوافر في هذه القرية المعلوماتية الضخمة من مهارات حياتية يمكنهم اكتسابها وبناء مستقبلهم, وقد يكون أيضاً ضيقهم بالبرامج التقليدية والتعليم التقليدي الذي لم يتأثر بـ"عولمة التعليم" كما تأثرت الجامعات الأجنبية.وفي السياق ذاته أذكر دراسة للباحث فارجيز نشرتها مدرسة لندن للاقتصاد حول عولمة التعليم، واحتواء الجامعات للطلبة خارج الحدود التقليدية؛ بتخصصات متجددة أقرب إلى المهارات الحياتية منها إلى القوالب التقليدية.ودراسة أخرى لديفيد روز من جامعة هارفارد حول التعليم وسوق العمل في عصر العولمة, لكنها تتناول التغيير من محور آخر سياسي، ودور الموروث الثقافي إلى جانب التكنولوجيا، وذلك عبر إجراء اختبار لقياس مفاهيم متنوعة لمجموعة من طلبة الجاليات المهاجرة بجامعات مدينة بروكسيل، ومواقفهم من عولمة التعليم والثقافة وحقوق الإنسان... وأترك نتائج الدراسة لأتناولها بالتفصيل في مقالات قادمة.خلاصة الموضوع أن عولمة التعليم فرضت نوعاً من التعليم غير التقليدي لتخصصات حياتية جديدة، والمطلوب من واضعي الخطط التعليمية الأخذ بعين الاعتبار أولويات ومهارات الطلبة والهوايات ومواطن القوى لديهم، ومن ثم توفير الخدمات الاستشارية التي "تستمع للطالب" قبل أن تفرض عليه قائمة التخصصات التقليدية، وأن تفتح المجال للتعليم غير التقليدي والنظامي، أي التعليم الإلكتروني والموازي أمام الطلبة والمهتمين.كلمة أخيرة: الحملات الأمنية لتنظيم المرور تشبه مشروع "الإصلاح عبر الصدمة" الذي تطبقه اليابان، ولكن الأهم من التنظيم وتطبيق القانون هو الاستمرارية في تطبيقه.
مقالات
العولمة وسوق العمل
12-06-2013