يكاد يكون في حكم المؤكد، وبحسب شتى التقديرات والتنبؤات، أن صورة الطاقة قد ازدادت قتامة في اليابان بعد كارثة محطة فوكوشيما التي تركت أثرها الجلي والمتواصل على مختلف القطاعات الاقتصادية في ذلك البلد.

Ad

وكانت الخطوة الأخيرة والموجعة تمثلت في قرار إغلاق آخر مفاعل نووي عامل في اليابان خلال الأيام القليلة الماضية، رغم ما قيل عن أن ذلك كان كما يفترض مجرد عملية صيانة روتينية. ولكن لم تقدم السلطات أي موعد محدد لإعادة تشغيل ذلك المفاعل الذي يدعى "اوي" على الساحل الغربي لليابان ولا بالنسبة إلى كل المفاعلات الخمسين الأخرى التي أغلقت في أعقاب كارثة فوكوشيما في شهر مارس من سنة 2011، وأثرت بشدة على اقتصاد اليابان التي تعتمد على الطاقة النووية في 30 في المئة من الطاقة الكهربائية، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم.

ويقول تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية إن الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي تسلم الحكم منذ شهر ديسمبر الماضي، يحذر من التبعات الاقتصادية على وضع المصانع اليابانية، كما أن وزارة الصناعة تقول إن الحاجة إلى استيراد كميات إضافية من النفط والغاز والفحم من أجل تشغيل محطات الطاقة التقليدية في اليابان ستكلف الميزانية نحو 93 مليار دولار بحلول نهاية سنة 2013، خصوصا أن البلاد تعاني ضعفاً في قيمة الين يواكبه ارتفاع في أسعار النفط مع تعرض اليابان لأول عجز تجاري خلال ثلاثة عقود. وتتعرض الشركات والمستهلك لتكلفة في قطاع الكهرباء تفوق معدلات العديد من الدول الأخرى.

إعادة تشغيل المفاعلات

يذكر أن طائفة من المرافق الكهربائية والبيروقراطيين والأكاديميين ومسؤولي الصناعات الثقيلة، الذين يطلق عليهم في اليابان اسم

"القرية النووية"، ناشدوا الحزب الليبرالي الديمقراطي إعادة تشغيل المفاعلات، وهي خطوة يؤيدها رئيس الوزراء شنزو آبي، فقد عمدت حكومته في وقت سابق من هذه السنة إلى التخلص من الجماعات المناهضة للسياسة النووية، كما أن التظاهرات التي عمت شوارع العاصمة طوكيو بعد كارثة فوكوشيما والمناوئة للطاقة النووية قد تراجعت وضعفت.

وحسب تقرير "الايكونوميست" فإن هذه العملية ليست بالبساطة التي تبدو عليها. ويرجع ذلك إلى طائفة من الأسباب، منها أن على هيئة تنظيم الطاقة أن تعلن سلامة أي مصنع قبل السماح بتشغيله، والعديد من تلك المصانع بلغت أو اقتربت من حافة الخلل، مع العلم أن اليابان تشكل نسبة الخمس في أكبر الهزات الأرضية في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن القانون يمنح المدن والقرى حق اتخاذ القرارات المتعلقة بوجود مصانع على مقربة منها، ومعظم اليابانيين يريدون التخلص من الطاقة النووية بصورة نهائية.

ولذلك يتعين على رئيس الوزراء التقدم بحذر، إضافة إلى عدم قدرته على تجاوز المعارضة الشعبية بسهولة، ولا تشكل البلدات التي تحتوي على مصانع نووية مشكلة حقيقية، حيث تمت إقامة تلك المصانع في مواقع نائية ومحرومة اقتصادياً، ويتمنى سكانها اليوم إعادة تشغيل المفاعلات النووية.

دور المعارضة السياسية

لكن العقبة في رأي خبراء الطاقة تكمن في وجود نسبة من معارضي الطاقة النووية ضمن الحزب الليبرالي الديمقراطي نفسه تفوق ما كانت عليه قبل كارثة فوكوشيما، ويقول المعارضون إن إعادة التشغيل قد تتحول إلى مسؤولية مرهقة قبل الانتخابات العامة المقبلة المقررة في سنة 2016. تشير التقديرات الراهنة إلى أن اليابان ستحتاج إلى استيراد النفط والغاز والفحم لتعويض النقص في الطاقة النووية. وفي شهر مايو الماضي حصلت اليابان على موافقة من الحكومة الأميركية على استيراد الغاز الصخري الرخيص، الذي سيخفض تكلفة مستوردات النفط، ويخفف من المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة في تلك الدولة.

وتجدر الإشارة إلى أن المقترحات الرامية الى تحرير سوق الكهرباء قد تسهم إلى حد كبير في تنويع مصادر الطاقة وخفض ثمنها، فضلا عن فتح الباب أمام المنافسة المحلية الجديدة.

 ويقول هيروشي تاكاهاشي من معهد فوجيتسو للبحوث في طوكيو، إن نجاح هذه الخطة سيخفض حصة الطاقة النووية مع ازدياد عدد العملاء في المسار الجديد، كما أن من شأن ذلك تمكين المستهلك الياباني من إسماع صوته في خيارات الطاقة في بلاده.