هل ينقذ نافالني روسيا؟

نشر في 05-09-2013
آخر تحديث 05-09-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت في عام 1811، وفي إطار تقييم إمكانية- أو بالأحرى استحالة- مرور روسيا بتحول على النمط الغربي، كتب الدبلوماسي والفيلسوف المناهض للتنوير جوزيف دو ميستر في مقال شهير: "إن كل أمة تحظى بالحكومة التي تستحقها". وبعد أربعة عشر عاما، بدا الأمر وكأن ثورة ديسمبر- حركة من الشعراء وضباط الجيش للإطاحة بالقيصر نيقولا الأول وإقامة نظام ملكي دستوري- تدحض زعم دو ميستر، ولكن الثورة قُمِعَت، وكان مصير المشاركين فيها الإعدام أو المنفى. وعلى لسان أحد الضباط المدانين جاءت المقولة الشهيرة: "لا يمكنك أن تشنقنا جميعا".

الواقع أن القرن العشرين الوحشي في روسيا، بما شهده من حكم شمولي استبدادي ومعسكرات اعتقال، كاد يثبت خطأ مقولة ذلك الضابط، ومقولة دو ميستر، فلا أحد "يستحق" أن يُحكَم بهذه الوحشية. لقد لقى أكثر من عشرين مليون روسي حتفهم تحت حكم ستالين، وأصاب الرعب بقية الروس بالشلل.

كان القرن الحادي والعشرين أكثر رِفقاً بالروس، على الأقل حتى الآن، ولكن رغم غياب الإرهاب والمجاعات، فإن العديد من تكتيكات الماضي القمعية عادت إلى الحياة في ظل حكم فلاديمير بوتن الفاسد الذي بلغ عامه الرابع عشر.

منذ عام 2003، عندما ألقي القبض على الملياردير النفطي من أنصار حُكم القِلة ميخائيل خودوركوفسكي بتهمة الاختلاس والاحتيال المزعومة- بعد أن تجرأ على دعم المعارضين السياسيين- أُخضِعَ أهل النخبة في روسيا إلى حد كبير، فلا أحد منهم يتخيل نفسه وهو يتعفن في أحد معسكرات العمل مثل خودوركوفسكي، وبدا الأمر وكأن مقولة دو ميستر دبت فيها الحياة من جديد في عهد بوتين.

ثم في عام 2011، اندلعت احتجاجات حاشدة ضد بوتين وحزبه من "المحتالين واللصوص"، وأصبح أليكسي نافالني، الذي نعتهم بذلك الوصف، وجه المعارضة في روسيا. كان نافالني، المحامي المناهض للفساد والذي يبلغ من العمر 37 عاما، شوكة في خاصرة بوتين منذ ذلك الوقت، ومؤخراً أعلن أنه يفكر في ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة؛ وإلى أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية، فهو يسعى إلى تولي منصب عمدة موسكو (الذي يعتبره البعض ثاني أهم منصب سياسي في روسيا).

والآن تجري الحملة لمنصب العمدة على قدم وساق، والانتخابات في الثامن من سبتمبر هي الأولى في موسكو منذ عشر سنوات، حيث كان بوتين يعين ببساطة الموالين له كعُمَد ومحافظين في مختلف أنحاء البلاد. كانت مستويات شعبية العمدة الحالي، سيرجي سوبيانين، الذي يحظى بكامل الدعم من الآلة السياسية الإعلامية في الكرملين، أعلى من 90% في استطلاعات رأي أخيرة، ولكن مستويات شعبية نافالني ليست متأخرة عنه كثيرا، حيث بلغت 80%، وبمجهود شخصي تماما.

تلقت حملة ترشيح نافالني دفعة كبيرة مؤخراً عندما أصبح مجرماً مدانا، بعد محاكمة أشبه بمحاكمة خودوركوفسكي من حيث التلاعب السياسي الصارخ، فقد تلقى نافالني الذي اتهم بالاحتيال حكماً بالسجن خمس سنوات بزعم الاختلاس من كيروفليس، وهي شركة أخشاب ريفية. ولكن في تطور غير عادي أطلِق سراح نافالني من السجن لحين نظر الاستئناف بعد يوم واحد فقط من صدور الحكم بإدانته.

يقول البعض إن هذا يرجع إلى نزول أنصاره إلى الشوارع فور صدور الحكم، ولكن الدافع الأكثر احتمالاً هو أن بوتين قرر أن يترك للانتخابات حسم الأمر، اعتماداً على توقعاته بخسارة نافالني. وفي هذه الحالة فإن سوبيانين الذي عين في عام 2010 سوف يكتسب الشرعية التي افتقر إليها حتى الآن، فضلاً عن التشكيك في مصداقية حركة المعارضة في العاصمة، التي يشكل سكانها صلب قاعدة نافالني السياسية.

ولكن ماذا لو تم انتخاب نافالني؟ هل يتم تخفيف عقوبته أو تأجيلها أو إلغائها؟ هل يذهب إلى السجن برغم اختيار أهل موسكو له؟

في تحد جديد لمقولة دو ميستر، تغلب نحو مئتين من رجال الأعمال الشباب على خوفهم المستوحى من مصير خودوركوفسكي وتبرعوا بأموال لحملة نافالني. بل إن سبعة وثلاثين منهم وقعوا على ما أطلقوا عليه وصف "العقد الاجتماعي" الجديد. ووفقاً لبيانهم فإنهم "يتوقعون أن يدافع نافالني عن سيادة القانون، وأن يدعم المحاكم المستقلة ويضمن المساءلة الحقيقية للمسؤولين أمام المجتمع". إنهم يستثمرون مواردهم المالية والتنظيمية وسمعتهم وغير ذلك من الموارد" في رجل يعدهم بالاستعانة بمستشارين مخلصين، وتحرير المدينة- وفي النهاية البلاد- من الفساد المستوطن وإساءة استخدام السلطة.

لقد نشأ أغلب رواد الأعمال الشباب هؤلاء داخل "اقتصاد المعرفة"، فمن بينهم مخترع خدمة "الحوسبة السحابية"، ومؤسس شركة للمنتجات الفاخرة عبر الإنترنت، ومطور تقنيات مصرفية جديدة، ومؤسس منبر الشبكة الاجتماعية للأطباء، وكلهم حاصلون على تعليم جيد، وكثيرون منهم يحملون درجات علمية أميركية.

الواقع أن العديد من رواد الأعمال هؤلاء كانوا يفضلون البقاء بعيداً عن السياسة؛ ولكن نظام التعليم الهزيل في روسيا، والإقطاع الاقتصادي، ورهاب المثلية الجنسية، وغير ذلك من المشاكل المزمنة الأخرى، لم تترك لهم أي خيار آخر. وبوتين نفسه أصبح مصدراً لا يطاق للإحراج المبتذل.

لا شك أن أنصار نافالني قادرون على الهجرة بلا مشكلة؛ ولكنهم بعد إنعاش آمالهم بفضل حملة مرشحهم، أصبحوا على استعداد للوقوف بجانبه لكي يروا ما إذا كان سيتمكن من تغيير الحال. والواقع أن نافالني أصبح الأمل الوحيد للسياسة التنافسية في روسيا.

ومن ناحية أخرى، فإن الحس القومي الشديد لدى نافالني يجعل العديد من الناس في غاية التوتر، ففي حين قد يبدأ الزعماء الروس حياتهم المهنية كإصلاحيين، فإنهم لا يستمرون عادة على نفس المنوال، فقد بدأ بوريس يلتسين تسعينيات القرن العشرين كديمقراطي شجاع، ثم تحول إلى رجل فاسد ومهرج مخمور، في حين تعهد بوتين في البداية بفرض القانون والنظام بعد فوضى ما بعد يلتسين.

إن انتخابات منصب عمدة موسكو تمثل لحظة الحقيقة بالنسبة إلى نافالني، وكبار رجال الأعمال الذين استثمروا في حملته الانتخابية، وكل أهل موسكو، بل ربما روسيا ككل، وكما حدث في حالة متمردي ديسمبر، فإن أي شخص في روسيا قد يعاني سلطة الحكومة المتغطرسة، بغض النظر عن المعتقد السياسي. لقد أصبح الخوف وعدم الاكتراث أشد خطورة من اتخاذ موقف.

ولكن يبقى السؤال: هل يتمكن نافالني وأنصاره في الثامن من سبتمبر من تغيير ثقافة الخوف في السياسة الروسية، أم أن دو ميستر كان محقاً في نهاية المطاف؟

* نينا خروتشيفا | Nina Khrushcheva ، مؤلفة كتاب "تخيل نابوكوف: روسيا بين الفن والسياسة"، ومحاضرة الشؤون الدولية في جامعة نيوسكول، وكبيرة زملاء معهد السياسات العالمية في نيويورك.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top