منذ أن تم الإعلان عن تحويل الفيلم السينمائي الشهير {الزوجة الثانية} إلى مسلسل درامي، توقعت أن تواجه التجربة، ومعها فريق العمل، هجوماً شرساً لأسباب عدة، على رأسها أن شريحة كبيرة من المصريين تعاني {النوستالجيا}؛ أي الحنين إلى الماضي بشخوصه وأحداثه، التي لا يرى لها بديلاً في الحاضر، بينما يؤمن قطاع عريض آخر أن كل ما له علاقة بالماضي {غير قابل للمس}!

Ad

المفارقة أن هذا النوع من الهجوم، الذي يتسم غالباً بقدر كبير من الوحشية، يزداد ضراوة كلما تراجعت مساحة الرومانسية في حياتنا، وتضخم الشعور لدى {أسرى الماضي} بافتقاد {زمن الفن الجميل}، من دون الاعتراف بأن لكل زمن رجاله، وفنه الذي يعبر عن واقعه ومتغيراته، وهو ما يمكن تلمسه بجلاء في تجربة المسلسل الدرامي {الزوجة الثانية}، التي قوبلت باستنكار كبير فور عرض الحلقة الأولى من العمل، واكتمل الهجوم عقب عرض الحلقة الثالثة، وأغلب الظن أنه سيزداد ضراوة عقب انتهاء عرض جميع حلقاته!

بالطبع لا يمكن تجاهل أن فيلم {الزوجة الثانية} (1967) المأخوذ عن قصة للكاتب الكبير أحمد رشدي صالح أخرجها للشاشة الكبيرة صلاح أبو سيف، الذي شارك في كتابة السيناريو مع سعد الدين وهبة ومحمد مصطفى سامي، وشارك في بطولته كل من سعاد حسني، شكري سرحان، سناء جميل والممثل القدير صلاح منصور، يُعد أحد أجمل الأفلام {الكلاسيكية} في السينما العربية، كما احتل عن جدارة المركز السادس عشر في قائمة أفضل مئة فيلم في السينما المصرية. لكن هذا لا يعني مُطلقاً التعامي عن اعتبارات عدة يمكن التوقف عندها في تجربة مسلسل {الزوجة الثانية} من إخراج خيري بشارة، الذي لا يمكن التشكيك في موهبته أو التقليل من قدرته على تقديم الرؤية الفكرية التي يدخرها، واللغة الفنية التي يملكها بالفعل.

أول هذه الاعتبارات وأهمها أن التجربة كشفت عن موهبة واعدة تحمل اسم ياسين الضوي، الذي عرفناه كاتباً وشاعراً ومخرجاً مسرحياً، وهاهو يقدم نفسه في {الزوجة الثانية} ممثلاً قديراً نجح في إبهارنا بتجسيده لشخصية الشيخ {محمود}، الذي يمثل الإسلام الصحيح والمستنير، على عكس الشيخ {مبروك} (أحمد صيام) الذي يتاجر بالدين ويوظفه لخدمة مصالح {الحاكم} (عمدة القرية في المسلسل)، فعلى غير المعتاد في الأعمال الفنية، التي تجري أحداثها في القرية المصرية، اتقن الضوي اللهجة بشكل مثير للإعجاب، وبدا تلقائياً وصادقاً في أدائه، وانفعالاته، وكأنه «شيخ القرية» الذي يحتضن الأطفال في «الكُتاب» ليقوم بتحفيظهم القرآن.

شارك ياسين الضوي في كتابة سيناريو وحوار مسلسل «الزوجة الثانية»، مع أحمد صبحي، وفي حين عانى السيناريو من مشاكل تتمثل في التطويل والثرثرة، اللذين عطلا تدفق الأحداث، تميز الحوار بالسلاسة والطرافة، وإن أفسده استخفاف الممثل عمرو عبد الجليل، الذي كان سبباً في تحويل شخصية «العمدة» (الدكتاتور) إلى «أراجوز»، وتراجع أداؤه كثيراً مقارنة بأداء العملاق صلاح منصور في الفيلم الكلاسيكي، وهو الفشل نفسه الذي أصاب عمرو واكد في تجسيده لشخصية «أبو العلا»، وأيضاً علا غانم في شخصية «حفيظة» زوجة العمدة؛ فالفارق في الموهبة شاسع بينهما وشكري سرحان وسناء جميل، اللذان جسدا الشخصيتين في الفيلم بينما حاولت آيتن عامر جاهدة الإمساك بتلابيب شخصية «فاطمة» لكنها عجزت عن مطاولة قامة و{كاريزما» سعاد حسني!

إعادة إنتاج فيلم احتل مكانة مرموقة في ذاكرة الناس، وفي رصيد السينما العربية، مغامرة كبيرة للغاية؛ بدليل الفشل الذي أصاب تجارب سابقة مثل: «رد قلبي»، «نحن لا نزرع الشوك»، «سمارة» وثلاثية نجيب محفوظ: «قصر الشوق» و{بين القصرين» و{السكرية»، بسبب عجزها عن الحفاظ على تماسك العمل الأصلي، وإضافة خطوط درامية جديدة أثقلت كاهلها، فضلاً عن الجرح الذي خدش ذاكرة كل من أحب العمل الأصلي لكن الغضب أعمى المنتقدين عن وضع أيديهم على إيجابيات عدة في تجربة «الزوجة الثانية» التلفزيونية، على رأسها قراءة قصة أحمد رشدي صالح من زاوية جديدة جرى التركيز فيها على ثنائية القهر والاستبداد، وتوظيف الشخصيات للإسقاط على وقائع وأحداث بعينها جرت في مصر، في الآونة الأخيرة، وإن بالغ السيناريو في توظيف «الرمز»، وإضافة شخصيات دخيلة على مجتمع الريف، كما رأينا في شخصية «راوية» (نجلاء بدر) التي تُشيع الفاحشة في القرية، وتبيع بناتها القاصرات معتمدة على شبكة علاقات واسعة مع شخصيات نافذة في الدولة.

إعادة تقديم «الزوجة الثانية» سلاح ذو حدين بكل تأكيد، لكن علينا التمهل كثيراً قبل الحكم بالإعدام على التجربة الجديدة، ليس لأنها من إخراج المبدع خيري بشارة، الذي وضع أيدينا على ياسين الضوي، بل لأنها نجحت في مراعاة  فروق التوقيت!