«تشنّج العلاقة بين الغرب والمسلمين» لهانس كوكلر
صدر حديثاً عن دار «جداول» كتاب «تشنّج العلاقة بين الغرب والمسلمين، الأسباب والحلول» للمفكر النمساوي هانس كوكلر (تعريب حميد لشهب وتقديمه). يعتقد كوكلر أن من اللازم على الحوار الأوروبي – العربي أن يصبح شاملاً وعاماً، ولا يجب تأسيسه على المصالح الاقتصادية فحسب، بل تعميمه على ميادين تعاون أخرى.
يشير هانس كوكلر في كتابه «تشنّج العلاقة بين الغرب والمسلمين، الأساب والحلول» إلى أنه كي يصبح حوار الند للند بين الفرقاء على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، فلا بد من إعادة إنعاش وإعادة إحياء العلاقات العلمية والثقافية بين الضفتين، فمن النافل أنه بعد نهاية الحرب الباردة وبروز نظام أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة، بدأ العالم يميل نحو التصادم الأيديولوجي بين الشرق والغرب في إطار ما سمي «صدام الحضارات»، وبات ملحاً في هذا السياق أحياء الحوار بين الشرق والغرب، ومن اللازم أن يسجل هذا الإحياء كأسبقية في العمل الدبلوماسي وأن يعي المثقفون في كلتا الثقافتين أنه رسالة على عاتقهم.وما نحتاج إليه بإلحاح في اللحظة الراهنة، بالنظر إلى الصراعات الأخيرة في أوروبا، هو تشكيل إطار جديد لصيرورة «خالية من أية سلطة» بين العالمين العربي - الإسلامي والغربي (الأوروبي)، من دون محاولة إعطاء دروس للآخر. وإذا كانت أوروبا تريد أن تؤدي دوراً في السياسة العالمية وعدم المقامرة بمشروع وحدتها، فإن من اللازم عليها إعادة النظر في إرث الدولة الوطنية وإعادة تحديد مبادئ التعدد الثقافي. هنا، بإمكان الفلسفة أن تؤدي دوراً رئيساً في هذه العملية، لأنها من جهة محايدة في ما يتعلق بتصورها للعالم (يعني أنها منفتحة على المواقع كافة) ومن جهة أخرى، فإنها في العمق تخصص يؤمن بتعددية التخصصات.
يؤكد كوكلر أن تشابهاً دوغمائياً وميتافيزيقياً يجمع بين ثقافتي الشرقي والغرب، لكن هذا التشابه لا يمكن أن يصبح أساساً لحوار حقيقي بين الديانتين، فعدم الثقة والحذر من الآخر هو الذي كان يحدد على الدوام العلاقة بينهما، وهو حذر يمكن اعتباره كذلك نتيجة لصراعات عسكرية طويلة الأمد في أوروبا والشرق الأوسط. وتطغى العداوة تجاه العالم الإسلامي إلى اليوم في أوروبا، سواء تعلق الأمر بالاعتقاد في هذا الدين أو في ما يخص معاييره الأخلاقية وأنماط الحياة الناتجة منها.أفاق العلاقةيلفت المؤلف إلى أن الوضع الراهن لعلاقة الإسلام والمسيحية في أوروبا يولِّد أشكالاً جديدة تتغذى أحكامها وثقافتها من القرون الغابرة. فثمة بعض المثقفين الأوروبيين الحاليين ممن يصقلون صورة الإسلام كعدو. فقد استمر التأويل المسيحي الأول للإسلام، والذي اعتبر كصيغة خاطئة للمسيحية، في شكل علماني في أوروبا العلمانية: لا ينظر إلى الثقافة المسلمة إلا من زاوية منظومة القيم الأوروبية. ينظر إلى التطور السياسي الحالي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحركات التجديد الإسلامية في هذه المنطقة كخطر على المصالح الأوروبية. وينظر إلى المهاجرين والمهاجرات المسلمين كأتباع محتملين لهذه الحركات ويستنتج المرء من ذلك الخطر الذي يشكلونه على الهوية الثقافية الأوروبية. يتابع كوكلر بأن الحوار الحقيقي بين المسلمين وأوروبا يجب أن يتأسس على الأسس المشتركة بين المسيحية والإسلام. ولا يتأتى ذلك إلا إذا استغنى الجانبان عن «التبشبر» والدعاية لدينيهما. فلا بد من النظر إلى الإسلام في أوروبا، الممثل ليس فقط من طرف مسلمي البوسنة، بل من طرف المهاجرين المسلمين في ربوع الدول الأوروبية، ليس كخطر إنما كحظ لبناء جسور التفاهم بين الإسلام والغرب. ولا بد أيضاً من قبول التعدد الثقافي في أوروبا كواقعة إذا كان المرء يريد تجنب الخلافات بين هذين الدينين في أوروبا وخارجها.مستقبل العلاقةيرى كوكلر أن لقضية فلسطين عموماً والقدس خصوصاً دوراً مهماً في مستقبل العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في أوروبا. وفقط عندما ينظر إلى الموقف الأوروبي في هذه القضية كموقف عادل ومتوازن وليس كموقف معاد للحقوق المسلمة ودعم لاحتلال فلسطين، يمكن للتفاهم بين المسلمين والغرب أن يقاد. ولا يمكن تجاوز عدم الثقة الناتج من الحضور الامبريالي لأوروبا في المنطقة إلا عن طريق سياسة عادلة تأخذ بعين الاعتبار حقوق المسلمين في المنطقة.ويشير كوكلر إلى أنه في إطار الحديث عن آفاق الحوار المستقبلية، لا بد من التنبيه إلى أنه لا يجب غض النظر عن الاختلاف الثقافي، الذي قد يشكل عائقاً مهماً في سبيل الحوار والتفاهم المتبادل. وعلى خلاف تفسيرات أخرى، فإنه لا يجب بحال من الأحوال تجاهل واقعة مهمة جداً تتمثل في كون أوروبا العلمانية ضيعت أكثر فأكثر وعيها الديني (المسيحي)، في الوقت الذي يعرف العالم المسلم نهضة وعيه الديني الثقافي. ويظهر أن كل طرف لا ينظر إلى الآخر إلا من خلال أساس إطار تفسيري مغاير ومن خلال نظم قيم وشروط أنثروبولوجية مختلفة. ومن الأهمية بمكان ألا يسمح الفريقان المسيحي والمسلم أن يتدخل فريق ثالث في علاقتهما في أوروبا. ولا بد للحوار في المستقبل، إذا كان يراد له النجاح، أن يكون مباشراً بين الطرفين ولا يكون محدداً طبقاً للمصالح الجيوسياسية لفريق ثالث. لا يجب قيادة الحوار بين المسيحيين والمسلمين في أوروبا في ظل إحياء روح الحروب الصليبية، لكن عبر استخلاص ما يجب استخلاصه من حقائق الأسس الثيولوجية والقيم الأخلاقية المشتركة بين الطرفين. ويمكن للتشابه البنيوي الديني بينهما أن يكون أساساً لتفاهم اجتماعي وثقافي وسياسي أحسن بينهما.يُذكر أن هانس كوكلر أحد المفكرين الملتزمين في فكره وسلوكه بالدفاع اللامحدود عن القضايا العربية، لا سيما القضية الفلسطينية، وأحد الباحثين المعادين للإمبريالية الأميركية الجديدة، وتنبأ بنيتها طحن حق المسلمين وإقصائهم نهائياً من التاريخ والجغرافيا وفرض هيمنتها عليهم بشتى الطرق.