يتضمن الكتاب قراءة نقدية لمبادئ «حزب الله» المثبتة في الوثيقة السياسية الأخيرة الصادرة عن الحزب في 20 نوفمبر 2009، وللمؤتمر التأسيسي للحزب في الثمانينيات. ويؤكد المؤلف أن أفواج الحرس الثوري الإيراني تسللت إلى لبنان عام 1982 في تشكيلة عسكرية سرية اسمها «حزب الله»، عقائدية ثابتة على عقائد الشيعة الاثني عشرية، التي شكّلت أساس الدستور الإيراني بعد ثورة الخميني عام 1979.

Ad

فضلاً عن التحليل السياسي المرتكز على الوثائق والمراجع ونصوص الحزب «الرسمية»، جرأة نادرة تميّز بها قزي في تناوله قضية يخشى كثر وضعها موضوع نقاش، وهو في المقدمة يسأل نفسه: «لماذا أتكبد عناء «التحرش» بحزب الله الذي تتودد إليه شعوب وحكومات ومنظمات وشخصيات عربية وغربية، وأنا لست ملتزماً بحزب أو تنظيم معين، ولست بكاتب سياسي محترف ولا أحترف الكتابة والتاريخ؟».

ويجيب أن مهمة كتابه تكمن في «المساهمة النقدية بكشف الأقنعة، ومساعدة القارئ على اكتشاف الوجه الحقيقي لهذا الاحتلال العسكري الأخير، والخروج من هذا الخريف إلى حركة تصحيحية غايتها حماية الإنسان المشرقي بخاصة من استمرار استغلال الدعوات الدينية».

نعرض من الكتاب الصادر عن دار «رياض الريس» حلقتين اليوم وغداً.

قراءة المقاصد الظاهرة

أولاً: دليل القراءة والنقد

بداية، أرجو أن لا تبدو قراءتي وملاحظاتي على الوثيقة تأكيدًا لحكاية الناسكَيْن في كتاب «المجنون» لجبران خليل جبران، حيث أعلن أحدهما رغبته بإنهاء الحياة المشتركة في الصومعة فاستحالت عليهما قسمة صحن الفخار، وهو ثروتهم المشتركة الوحيدة. ذلك أن الأقوى منهما والذي يريد الهيمنة لا يرغب بحصته فقط ولا حتى كامل الصحن، إنما يبحث عن «النقار» للهيمنة وليس مجرد إنهاء الشراكة.

أما إذا كان لا بد من اعتماد تلك الرواية، فإنني سوف أختار سلفًا دور الناسك الذي يذهب مباشرة إلى قسمة صحن الفخار ولو انكسر وفقد فائدته، ما دام شريكه يضمر الهيمنة على البلد من خلال المطالبة بحصته غير المحدودة، وهذا شر مطلق. وأعود اليوم إلى قراءة الوثيقة الجديدة الصادرة عن حزب الله في مؤتمر سنة 2009 وقد أوردتُها ملحقة في هذا الكتاب.

هكذا تبدو لي المواقف والمطالب المستحيلة التي يرفعها حزب الله، باسم التشيّع الذي يبشر به لنصرة دولة الإمام في طهران، وليس باسم الشيعة عامة ولا الشيعة اللبنانيين خاصة.

ولقد كتبت سابقًا شارحًا هذا الانطباع الذي خرجت به من قراءة سابقة ومعمقة لحزب الله وضعتها قي كتاب عنوانه «من حسن نصر الله إلى ميشال عون - قراءة سياسية لحزب الله»، صدر عن دار الريس، بيروت سنة 2009.

يجب التنبه إلى أن هذه الوثيقة صادرة عن مؤتمر لحزب الله، ما يعني أن كل حرف وكلمة وجملة وفكرة في هذه الوثيقة تعرّضت لجدل ونقاش معمّقين قبل إقرارها.

ولذلك وجب التقيد التام بالنص المكتوب بدقة وعناية شديدتين، كلمة كانت أو حرفًا أو فاصلة، دون «تطويع الألفاظ الدقيقة الواردة أحيانًا لخدمة المعاني الملتبسة». تبعًا لحوار أو دعوة وتبليغ، لأنها جاءت حصيلة مناقشات الخبراء والقادة الحزبيين الكبار الذين أظهروا كفاءات ومهارات فنية في قيادة الحزب على مختلف الصعد. وهذه الدعوة إلى التدقيق والانضباط التام في قراءة الوثيقة السياسية الجديدة للحزب تنطلق عندي من مراقبتي، وبحزن شديد، لخلط مقصود لعالِم او اختلاط جاهل عند طبقة كبيرة من القراء وتمتد إلى المثقفين منهم وخاصة اليساريين والحزبيين وأتباع التيارات السياسية الحديثة والحليفة للحزب. فنحن مستهدفون بالفعل من هذه الفئة من الأشخاص الذين يتلاعبون وفقًا لهوى أو ضغينة بالألفاظ التي يتضمنها قاموس حزب الله، والتي تحتل صفحات الكتب والمجلات والصحف والإذاعات والتلفزيون تُقَدَّم لنا بصفة محلل سياسي أو كاتب سياسي. وأنا علقت بينهم للأسف مما اضطرني إلى مقاطعة الشاشة الصغيرة أحيانًا.

فعندما يقول الحزب مثلاً إننا نعمل وفق مصالح الأمة، يستعجل البعض ليضيف ويصف الأمة بالعربية. بينما الحزب تركها دون تحديد، ولو أراد أو اضطر إلى التحديد لقال حتمًا الأمة الإسلامية، فيتحوّل الوصف المضاف إلى تحريف وجهل وتجهيل.

وعندما يذكر الحزب مثلاً اسم المقاومة من دون وصفها، يأتي من يتبرع ليصفها باللبنانية أو الوطنية أو الشعبية. فيحرّف القصد لصالحه ولصالح دعوة الحزب الذي لو سئل عن إضافةِ وصفٍ للمقاومة لأضاف فقط الإسلامية حكمًا. فالحزب لم يكن مع المقاومة اللبنانية ولا الوطنية وقد قاتلها ولم يذكر حتى حركة أمل، ولا المقاومة الشعبية لأنها غير صافية ولا ناجية ولا ترتكز على واجب الجهاد الديني وقروضه.

لقد مرَّ ربع قرن على صدور الوثيقة الأولى في 16 شباط عام 1985، ولم يعلن الحزب مرة عن انعقاد أي مؤتمر منذ صدورها. كما وقعت أحداث كبيرة ومتعددة، حقق فيها الحزب خطوات كثيرة إيجابية وسلبية، استغل أصدقاؤه استثمارَ إيجابياتها، بينما استغل خصومُه تضخيمَ سلبياتها. فبات الحزب مطالبًا بتوضيحها وشرحها للحلفاء والخصوم ولكل الآخرين وهم كثر، خاصة بعد أن أصبح حجمه السياسي والأمني يلزمه بذلك.

بعض تلك الأحداث كانت مصيرية، تتراوح بين «تبدلات استراتيجية» عسكرية وأمنية، «وارتجاجات سياسية» في الثوابت والأصول والميثاق والنظام، ليس أقلها اكتمال «التحرير» عام 2000 واغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وإخراج الجيش السوري، وسقوط «النظام السياسي الأمني»، وحرب تموز 2006 مع إسرائيل، والاستعانة بقوى الأمم المتحدة لمعاونة الجيش على الانتشار ومراقبة الشريط الجنوبي بالقرار 1701، واجتياح سلاح المقاومة في 7 أيار عام 2007 للداخل اللبناني بذريعة التصدي لمؤامرة الفتنة في بيروت والجبل والتي كادت أن تشعل فتنة أكبر لولا امتناع الفريق الآخر عن القتال والاستسلام لمشيئة حزب الله وتنازل خصومه عن حصتهم وتسليمهم «صحن» الوطن كاملاً، تقليدًا لحكاية الناسكين. تلك محطات تركت جراحًا لا تزال تنزف لم ولن تندمل في الجسد اللبناني، وربما أدت إلى انهيارات دراماتيكية تلوح في آفاق «الربيع العربي» اليوم وترافقه!

ولأن النقد حقٌّ لكل قارئ، وهو لا يقلق واضعي الوثيقة كما أكّد الدكتور علي فياض في برنامج «نهاركم سعيد» 5-12-2009 حرفيًا «لا يقلقنا أن يكون هناك موقف سياسي مختلف لكن يقلقنا أن يكون هناك إصرار على الاختلاف، ولا يقلقنا النقد إنما يقلقنا سوء الفهم، ولا تقلقنا الإشارة إلى ملاحظات ولكن تقلقنا القراءة المتعسفة للوثيقة».

ثانيًا: لا جديد في الوثيقة

لقد أكَّد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله خلال مهرجان إعلان الوثيقة عدم وجود جديد بقوله «إن الوثيقة تهدف إلى تظهير الرؤية السياسية للحزب».

لذلك نثبت أولاً مبدأ «اعتبار الثابت باقيًا على ثباته» دون مراجعة. وهذا يشمل كل المواقف الفكرية والعقائدية والدينية، إذ قال السيد حسن نصرالله في رده على الأسئلة خلال قراءته الوثيقة «... إن المواقف الفكرية والعقائدية والدينية لم تتعرض لها الوثيقة لأنها غير خاضعة للنقاش». وهذا يعني أن ولاية الفقيه، وبناء دولة الإسلام (الحكومة الإسلامية - دولة أمة حزب الله)، والجهاد الإسلامي أي «المقاومة الإسلامية»، وهي الأركان الثلاثة التي يقوم عليها منهج الحزب وكيانه وبناؤه السياسي والعقائدي والفكري قد كرستها ولم تبدلها الوثيقة السياسية الأخيرة. كما أكّد الدكتور علي فياض كذلك «لأنها ليست وثيقة في العقائد والمبادئ والأفكار». ويضيف: «إذا شئت (مخاطبًا شذى عمر) الوثيقة هي عمليًا شيء جديد ما فيها. هي إعادة تجميع وصياغة واستخلاص لمواقف الحزب... جرى إلى حد ما إعادة التأمل فيها وصياغتها في نص سياسي واحد. لكن بهذا المعنى لا يوجد جديد». وهذا التأكيد يفْرض علينا أن نقرأ الوثيقة السياسية الأخيرة مُجَرَّدة عن أركان ومرتكزات الحزب العقائدية والفكرية والسياسية... ويمكن التقرير والتأكيد بصراحة أنها وثيقة تكمّل الوثائق السابقة ولا تنقضها، وهي بحسب المعلن للوثيقة الثانية بعد وثيقة 16 شباط 1985 «رسالة إلى المستضعفين».

أما المراجع الأخرى التي يمكن أن تساعد في القراءة فهي ذات تأثير نسبي وجوهري في قراءة الوثيقة السياسية الجديدة لأنها تقع في باب التعبئة أو فقه الضرورة، مثل مذكرة التفاهم أو برامج الحزب الانتخايبة التي بدأت سنة 1992 واستمرت حتى سنة 2009 ومثل كتاب الشيخ نعيم قاسم عن حزب الله «المنهج والتجربة والمستقبل» الذي يرفض الدكتور علي فياض اعتباره وتصنيفه وثيقة من وثائق الحزب.

هكذا أيضًا وصفها الأمين العام للحزب وقدمها في إعلانها الأول بأنها «وثيقة سياسية وليست وثيقة عقائدية وأيديولوجية...» ردًا على مراسل تلفزيون المستقبل... وقال أيضًا «لا بأس في اعتبارها تطورًا أو تحولاً في المنظومة السياسية لحزب الله». ردًا على سؤال صحيفة جريدة السفير الأستاذ طلال سلمان عما إذا كانت الوثيقة حولت الحزب إلى النادي السياسي اللبناني.

ومن مراجع الدقة في قراءة الكلمات كما استعملتها الوثيقة يجب أن نثبت أنها:

استعملت كلمة المقاومة فقط أكثر من مرة دون توضيح صفتها ولو مرة واحدة، وهي تعني المقاومة الإسلامية.

لجأت الوثيقة مرتين لاستعمال وصف المقاومة الشعبية عندما تحدثت عن المزاوجة مع الجيش «فإن التهديد الإسرائيلي الدائم يفرض على لبنان تكريس صيغة دفاعية تقوم على المزاوجة بين وجود مقاومة شعبية تساهم في الدفاع عن الوطن في وجه أي غزو إسرائيلي وجيش وطني يحمي الوطن ويثبّت أمنه واستقراره..».

علّقت قيام الوطن على شرط قيام الدولة العادلة وعلقت قيام الدولة على شروط أخرى عديدة (17 شرطًا).

«وقبلت مؤقتًا الديموقراطية التوافقية القاعدة الأساس للحكم في لبنان لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور ولجوهر ميثاق العيش المشترك».

«وتبقى الديموقراطية وفق معادلة الأكثرية والأقلية رهن تحقق الشروط التاريخية والاجتماعية لممارسة الديموقراطية الفعلية التي يصبح المواطن قيمة في حد ذاته».

ولأنها وثيقة مؤتمر جاء بعد 24 سنة من التطور والنضوج واكتساب المهارات، وخاصة الكلامية، وهي نتيجة حوار في جلسات عديدة وطويلة، فلا يجب الاجتهاد وتحوير مفرداتها ومعانيها وفقًا لهوى القارئ.

إنني إذ أضع هذا الشرح في احتياط الأدلة التي يمكن أن يستعين بها القارئ لفهم بعض التعديلات الإنشائية في الوثيقة والتي جاءت تطبيقًا لمبدأ «الحل اللغوي للمسائل والمشاكل السياسية»، أو مبدأ التزاحم الفقهي أو التقية. فالقارئ السياسي لحزب الله ملزم بإحاطة شاملة لهذه الوثيقة ووضعها في مركز الاهتمام التام ولا بد لفهمها جيدًا من استعادة قراءة ما جاء في وثيقة إعلان تأسيس الحزب سنة 1985 وهي الوثيقة الأولى: «إننا أبناء حزب الله نعتبر أنفسنا جزءًا من أمة الإسلام في العالم... والتي نَصَرَ الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم». حزب يمهد لظهور عودة الإمام الغائب ليحكم العالم بالعدل والفسطاس».

ثالثًا: تثبيت الوثيقة للفكر والعقيدة

ولأن وثيقة المؤتمر الثاني للحزب 2009 لم تَنقُض صراحةً وثيقة 1985، فنحن ملزمون بقراءة الوثيقة الثانية في سياق الثوابت الواردة صراحة في الوثيقة الأولى مسترشدين أحيانًا بالوثائق الأخرى للحزب.. والتي عناها الأمين العام في حوار إعلان وثيقة 2009 «أنها ثوابت غير خاضعة للمراجعة».

لأول مرة يُعلِنُ الأمين العام شخصيًا أن مؤتمرًا للحزب أصدر {وثيقة سياسية» فيما كانت مواقف الحزب السياسية والعقائدية أعلنت سابقًا برسالة مفتوحة للمستضعفين وكأنها بمثابة «تبليغ ودعوة» كما في سنة 1985، أو ببرنامج انتخابي كما في سنة 1992 و1996 وبعدها. أو في خطاب أو تصريح للتعبئة والإعلام أو باستعراض تفاهم كما حصل في كنيسة مار مخايل في ٦ شباط 2006.

لكن المؤتمر الذي أعلن الحزب صدور هذه الوثيقة عنه بقي مجهولاً مكان وتاريخ انعقاده الدقيق وهوية أعضائه، وكل ما دار فيه من نقاش، باستثناء ما ورد في الوثيقة من مواضيع، وباستثناء ما أعلنه الأمين العام السيد حسن نصرالله خلال قراءته للوثيقة، حيث وصفها بالسياسية «وتحتوي على رؤيا ومواصفات وتراعي الخطوط العريضة، فيما البرامج التفصيلية لهذه الخطوط سيعلن عنها بشكل مستقل». وحال الانتظار حال يطول.

رابعاً: بعض قراء الوثيقة قالوا

لقد قرأ كتّاب وصحافيون لبنانيون وعرب كثر هذه الوثيقة، فوجدت فائدة بمراجعة سريعة لبعض هذه القراءات علَّها تساعد على فهم ومناقشة الوثيقة لاحقًا.

كانت القراءة الأولى للأستاذ طلال سلمان، صاحب جريدة السفير اللبنانية، الذي شارك في مهرجان قراءة الوثيقة، حين توجه إلى الأمين العام حسن نصرالله فور انتهائه من تلاوة الوثيقة معقبًا: «أهلاً بك في النادي السياسي اللبناني». فجاء رد فوري وسريع أيضًا للسيد حسن نصرالله: «لا مشكلة في اعتبار هذه الوثيقة تطورًا أو تحولاً في المنظومة السياسية لحزب الله».

أما الدكتور فواز طرابلسي فكتب في جريدة السفير 2009-12-2: «إن الوثيقة عبَّرت عن تعدد مقاومات الحزب بل تَفَارُق هوياته، فهو حركة تحرر على الصعيد العالمي، وحركة مقاومة فلسطينيًا وعربيًا وحركة دفاع على الصعيد اللبناني تنتسب إلى نظام الطوائفية السياسية».

أما غسان حجار فقد كتب في جريدة النهار 2009-12-8: «إن وثيقة الحزب لا تستحق هذا الاهتمام لأنها مجرد إعلان عن نية الحزب بدء مسيرته الإصلاحية واندماجه بصورة أكبر في الحياة السياسية والإدارية مخففًا وتيرة العمل العسكري المقاوم».

وكان الأستاذ جهاد الزين كتب قي جريدة النهار أيضًا واصفًا «التوجه الجديد لحزب الله بالدولتة وليس باللبننة». مؤكدًا أن الوثيقة لا تحمل أي جديد ملبنن أكثر مما نعرف منذ العام 1992 حين انتقل الحزب إلى الدولتة وليس إلى اللبننة.

 ونشرت جريدة الأخبار مقالاً للكاتب الأردني ناهض حتر جاء فيه: «إن المصادر الفكرية لوثيقة حزب الله تخلو كليًا من أية مرجعية شيعية أو حتى إسلامية بالكامل في فهم الصراع الكوني... لكن المرجعية اليسارية تنتهي مفاعيلها عند حدود لبنان لتصبح مرجعية الوثيقة دولتية بورجوازية».

 وكتب رفيق خوري في جريدة الأنوار اللبنانية مؤكدًا: «أن ليس في الوثيقة إشارة مباشرة إلى مراجعة أي موقف خلال 24 سنة مرت على الوثيقة الأولى».

لكن ابراهيم بيرم علق في جريدة النهار مكتشفًا أن الوثيقة تعلن «دخول الحزب طور تأسيسه الثالث وكان التأسيس الثاني مع استلام نصرالله والتغيير الأول بعد الطفيلي. وكأن الوثيقة تريد أن تقول: «أنا أقبل تميزكم السياسي فاقبلوا تميزي العسكري والأمني».

وقد تضاربت الكتابات والتعليقات الحزبية والفئوية والمذهبية. من قبل سلفيين إسلاميين لم يجدوا في الوثيقة إلا «كذب تقيةٍ تُذَوِّقُ بها الروافضُ الشيعة ولاية الفقيه»، أو من قبل مؤيدي وأنصار وحلفاء الحزب الذين بالغوا في قراءة «رغباتهم في التحوّل اللبناني والعربي والإنساني في الوثيقة.

فكانت أكثر القراءات التي تناولت وثيقة سنة 2009 السياسية للحزب قراءات سريعة «وقد عكس البعض منها مدى تأثير الألفاظ والعبارات والقوالب الإنشائية لتغطية الوقائع والمبادئ والأفكار التي بقيت راسخة في المرامي الاستراتيجية في الوثيقة». وهذا ما سأحاول تعويضه مؤملاً بتلبية رغبة ووصية بعض معارفي في قيادة الحزب ومنهم الدكتور علي فياض ومن موقف سياسي مختلف يحاول بالتي هي أحسن «بتمحيص وتعمق وفهم» بعيدًا عن كل «تشويش وتشويه» وإبداء الملاحظات ولو قاسية دون تعسف معتمدًا على شهادة القارئ وإنصافه لهذه القراءة- المناقشة.

القسم الثاني: مناقشة الوثيقة

وأنا أناقش الوثيقة، منطلقًا من موقف سياسي مختلف مع حزب الله، معتمدًا في التحليل على قناعات وطنية لبنانية، قومية عربية وعلمانية وإنسانية. ومناقشتي تواصل مع قراءتي السياسية النقدية للحزب في كتابي السابق «قراءة سياسية لحزب الله». كما أؤكد أنني قرأت الوثيقة لأكثر من مرة. وراجعت جيدًا عقيدة الحزب واستراتيجياته الأساسية بدقة وعمق. وأبادر فأقول للمتسائلين والمشككين بأن هذه القراءة للوثيقة لا «سطحية ولا تعسفية» وسيكون برهاني الأول والأساسي صفحات هذا الكتاب.

ربما بدَّل حزب الله تمسكه بالسرية، فدعا أمينه العام إلى لقاء عام حضره الإعلاميون ليعلن ويقرأ الوثيقة السياسية لحزب الله الصادرة عن مؤتمره السري، وكان ذلك بمثابة أسلوب استثنائي نادر ومحدث في منهج حزب الله. نفترض منطقيًا أن أعضاء المؤتمر لا بد أن يكونوا من الكادرات الأساسية العليا قي الحزب، وفقًا للمنطق التنظيمي. وهذا يفرض على القارئ أن يتعامل معها، بمستوى من الدقة والأهمية الاستثنائية قراءة وتحليلاً. وأعتذر سلفًا من أنصار الحزب إذا توَّهم بعضهم أن هدف محاولاتي في البحث والتدقيق أشبه بمن يتصيد الأخطاء «وينبش الإبرة في كوم قش». فأنا أنطلق في قراءتي ونقدي، للحزب ولوثيقته السياسية، من فهم خاص لأهمية اعتناق الحزب للتشيع الإيراني والذي يختلف عندي عن التشيع العلوي الغني في التراث العربي القومي النشأة والهوية، أو العاملي الأقرب إلى الانسجام الوطني اللبناني، أو النجفي الأقرب للانفتاح العالمي مع الإسلام الثوري الذي يحمله الدكتور علي شريعيتي الغني بالتراث الفلسفي والحضاري والعلمي.