نفحات دستورية عن الكرامة

Ad

ديباجة دستور مصر (2012) تقول بعد أن رفضنا في ميدان التحرير وفي طول البلاد وعرضها كل صور الظلم والقهر والطغيان والاستبداد، وجاهرنا بحقوقنا كاملة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية".

نحن جماهير شعب مصر، هذا دستورنا، ينص على أن نظامنا السياسي يقوم على احترام حقوق الإنسان وحرياته (م6) والكرامة حق لكل إنسان، يكفل المجتمع والدولة احترامها وحمايتها، ولا يجوز بحال إهانة أي إنسان أو ازدراؤه (م31) وكل من يقبض عليه تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون (م36) ولجسد الإنسان حرمة (م41) ويحظر كل صور القهر للإنسان (م73).

 وأهدرت كرامة حمادة

وصدق حمادة المواطن المصري حدوتة الدستور، وأنه كفل له حق التظاهر السلمي (م50)، وأنه فرض عليه واجبا وطنيا هو المشاركة في الشؤون العامة (م55).

وها هو يشارك في تظاهرة سلمية أمام قصر الرئاسة (الاتحادية)، وفجأة كرّ وفرّ من المتظاهرين ومن قوات الأمن المركزي التي تحيط بالقصر الرئاسي لحمايته، ويقع في أيدي جنود الأمن المركزي، وهم يرتدون خوذاتهم، وبأيديهم عصيهم الغليظة، التي ينهالون بها على حمادة، ويسحلونه على الأرض بعد أن نزعوا عنه ثيابه في زمهرير البرد القاسي.

لقد أهدرت آدميته وكرامته وأوذي بدنياً ومعنوياً، علناً وفي الساحة الكبيرة المواجهة لقصر الرئاسة، واقتادوه عارياً إلى أحدى عرباتهم المصفحة.

حمادة يتهم المتظاهرين

لم يصدق حمادة أن المؤسسة الأمنية هي التي أهدرت كرامته وحرمة جسده، فاتهم المتظاهرين بأنهم الذين ضربوه وسحلوه ونزعوا عنه ملابسه.

فكيف يصدق أنه كان بين أيدى رجال الأمن، وقد قال نعم في الاستفتاء على الدستور، الذي أعلنت جماهير الشعب في ديباجته تمسكها بمبادئ ثابتة منها:

• إن كرامة الفرد من كرامة الوطن.

• وإن الأمن نعمة كبرى تسهر عليها شرطة تعمل في خدمة الشعب وحمايته، وفرض موازين العدالة، فلا عدل بلا حماية، ولا حماية بغير مؤسسات أمنية تحترم كرامة الإنسان وسيادة القانون.

اعتراف وليد إكراه

لم يكن الرجل يدري أن الملايين من البشر قد شاهدوا على شاشات الفضائيات ملحمة الإيذاء والتعذيب التي مارستها ضده قوات الأمن المركزي، عندما اتهم المتظاهرين بهذا الاتهام، وأن أحداً لن يصدقه، وأن أسرته اتصلت بإحدى الفضائيات لتطلب حماية نفسها وحماية والدها من الأذى الذي تتوقعه لها ولوالدها، إذا قال الحقيقة. وأكثر أسئلة سذاجة هو ذلك السؤال الذي وجهته المذيعة إلى ابنة حمادة، هل ضغطوا على والدك ليتهم المتظاهرين؟

والإجابة عندي: أن حمادة لم يكن في حاجة إلى من يضغط عليه ليتهم المتظاهرين، فمثله الذي أودى واهتيج ظلماً وعدوانا، وانتهكت كرامته وآدميته وحرمة جسده، دون ذنب جناه أو جرم اقترفه سوى أنه صدق "حدوتة" الدستور.

لن يصدق بعد ذلك أن الدستور سوف يحميه، وأن هناك كائنا على وجه الأرض يستطيع أن يذود عنه، وقد أفتى د. محمد شعبان، وهو أحد أساتذة الشريعة بالأزهر بقتل كل من يعارض ولي الأمر.

التعذيب ثقافة عامة

وينفي وزير الداخلية، ثم يعود ليعتذر ويقول إنها حادثة فردية،

لا يا معالي الوزير، إنها ثقافة عامة، عندما يتم السحل والتعذيب علناً على رؤوس الأشهاد ومن سبعة أو ثمانية جنود أو أكثر، وعلى مرأى ومسمع من بقية جنود الأمن المركزي وضباطه والحرس الجمهوري، دون أن يحرك أحد ساكناً لمنع الاسترسال في هذه الجريمة البشعة، وأمام قصر الرئاسة، وفي الساحة المواجهة للقصر.

ومع تقديري دون بخس لرجال الشرطة وللتضحيات التي يقدمونها أثناء قيامهم بواجبهم في خدمة العدالة وفي حفظ الأمن في البلاد، في ظل ظروف الانفلات الأمني، وضياع هيبة الدولة وضياع هيبة القانون، فإن هذه التضحيات وأكثر منها لا تصلح سبباً للتسامح مع شرطي واحد يرتكب جريمة تعذيب في حق مواطن واحد، وكما يقول أبو مسلم الخولاني "إن عدلت مع أهل الأرض جميعاً وجُرْتَ في حق رجل واحد فقد مال جورك بعدلك".