رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر د. جمال قطب لـ الجريدة.: القرآن خطاب لكل البشر وليس للمسلمين وحدهم
• اختلاف الخبرات والأعمار سبب في تباين التفاسير
• الإنسان الصالح والكون العامر أهم عبرة في القرآن
اعتبر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، الدكتور، جمال قطب، أن القرآن الكريم خطاب جامع لعموم البشر، وليس خاصاً بالمسلمين وحدهم كما يعتقد البعض، وأوضح العالم الأزهري في حواره مع «الجريدة» مسببات اختلاف التفاسير والمذاهب الإسلامية، معتبراً أن كثرة إعلان التدين من أسباب المشاكل السياسية.
• الإنسان الصالح والكون العامر أهم عبرة في القرآن
اعتبر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، الدكتور، جمال قطب، أن القرآن الكريم خطاب جامع لعموم البشر، وليس خاصاً بالمسلمين وحدهم كما يعتقد البعض، وأوضح العالم الأزهري في حواره مع «الجريدة» مسببات اختلاف التفاسير والمذاهب الإسلامية، معتبراً أن كثرة إعلان التدين من أسباب المشاكل السياسية.
• كيف يمكن تعريف القرآن الكريم؟هو خطاب من الله لجميع البشر في جميع الأزمان إلى يوم القيامة، لا يعطي لجنس فضلا على آخر، ولا لعصر على عصر ولا لشعب على آخر، وهو خطاب إلهي مفتوح لكل البشر، ولذلك حوى القرآن أكثر من مئتي مرة «يا أيها الناس»، وهو بذلك لم يخاطب المسلمين أو المؤمنين وحدهم، وبذلك يكون القرآن كتابا غير مغلق ليس له أسرار خفية، ويترتب على ذلك التعريف أنه لابد أن تكون لغته سهلة يفهمها كل البشر، من يستمع إلى القرآن يفهم فكرته العامة، وهو في جانب منه هداية وثقافة وعطاء عقلي وروحاني يحرك عقول الناس نحو اعمال الدنيا والتواصل البشري، وخروج كل إنسان من ذاته للتقارب مع الآخرين، ويقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات:13)، وهذا أول غرض يبينه القرآن من الخلق، فلم يخلقنا الله لنتحارب ولنمنع بعضنا من التقدم.
• وفي ضوء هذا التعريف، كيف يمكن أن نفهم القرآن؟ كما يقول المثل العربي «الخطاب يظهر من عنوانه»، وإذا كان أول سطور القرآن «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الفاتحة:1)، ويكون آخر سطر في كتاب الله «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» (الناس:6)، فهذا يعني أن مُنزل الكتاب يقول لمن يقرأون كل المخلوقات سواسية وأنا رب الجميع، ولا يحق لأحد أن يتطاول على الآخر ولا أن يتزعم عليه، وفي آخر آية تؤكد أن القرآن لجميع الناس، وعليه فإن المسلم يجب أن يبحث عن دوره لإرضاء الله بإسعاد الناس بما ينفعهم، وليس في القرآن نظرية حرب غير مبررة أو مقدسة، وهذا غير موجود في القرآن، وإذا جاء ذكر القتال أو الحرب، فإنه يكون خاصاً بمواجهة إصرار بعض القوى على إيذاء الناس ومحاربتهم، وهنا يجب مواجهته القوة بمثلها، أما أن يتصور أحد أن من إسلام المسلم أن يعد العدة الحربية لتدمير بلاد وإجبارهم على اعتناق عقيدة الإسلام، فهذا أمر لم يرد في أي من أيات القرآن، وكل آيات القتال ليست مبدأ عاما ولكنها خاصة بإيقاف العدوان ورده.• وماذا عن حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...»؟هذا حديث صحيح، بحاجة إلى أن يفهمه الناس، فعندما يقول المسلم كلمة «الناس» إنما يعني الناس المجتمعين حوله، وليس كل البشرية، ولذا نجد القرآن يقول «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ» (آل عمران: 173)، وهذا يعني أن اللفظ خاص بمن هم حول المتحدث، ومن هنا يمكن فهم حديث الرسول «أمرت أن أقاتل الناس» بأنه موجه إلى هؤلاء المتواجدين حول الكعبة والذين حرفوا ملة إبراهيم وإسماعيل، وجاءوا بالأصنام حول الكعبة، وقال القرآن في حقهم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً» (التوبة: 123) أي من يجاورونكم، لأن هذه الكعبة مقر دعوة التوحيد وظلت أزماناً طويلة خالصة للتوحيد، فالأمر بالقتال ليس أمراً عاماً لكل الخلق، وليس فريضة على كل المسلمين في كل الأزمان والحديث المقصود خاص بالذين غيروا التوحيد في مكة كمقر للدعوة.• متى يحدث الفهم الخاطئ للقرآن؟يتحول الفهم من الأصل إلى الفرع، حينما يوجد بين الناس رجل قرأ القرآن مخلصاً، فتبين في ذهنه أمر، توافق مع حالته النفسية فلا يحقق هذا المعنى ولا يراجعه ولا يشاور فيه المتخصصين، فيستبد برأيه، فيتحول الأمر إلى أنه بصدد مذهب ويتكاثر أقاربه وأتباعه وتلاميذه، وهذه قصة المذاهب، فلم يكن لأحد الفقهاء رغبة في الزعامة تقطيع أواصر الأمة أو تفتيتها، لكن أتباعهم حولوهم إلى أنهم هم أصحاب الفهم المقدم على غيرهم، ولذلك يقول الإمام أبو حنيفة: «كلامنا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، وهذا يعني رغبة في دوام الشورى والاجتهاد والحوار. • هل هناك علاقة بين المشكلات السياسية والفهم الخاطئ للقرآن؟لا شك أنه مع كثرة إعلان التدين، مازالت الأمة تستورد أوراقها السياسية من الخارج، ويظهر ذلك في طغيان الرأي الخارجي ومحاولة فرض نفوذه على الدول العربية والإسلامية، مع الإصرار الداخلي على الفهم الخاطئ للقرآن والسنة وهذا يُوجد المشاكل والأزمات التي تعانيها الأمة.• هل تؤثر الخبرات الحياتية في تفاسير القرآن؟ثمة فروق ضخمة بين إمام أو مفكر بلغ من العمر 70 عاما مثلاً بكامل صحته غير مريض، فهو يكون قد تمكن من مراجعة أفكاره بين الأربعين والخمسين، في مقابل مفكرين انتهت حياتهم في الأربعين فهؤلاء لديهم أفكار لكنها لم تنقح، ولو كان طال العمر بهم لكانوا غيروها واقتربوا بشكل أكبر مع الآخرين، والخطاب الإلهي نزل إلى البشر فحينما تستوعبه عقولهم، فكل عقل يفهم منه ذرة ومن يفهم الكل والمضمون العام هو النبي، وبعده فلكل شخص قدرته، وحتى نصل إلى الأرجح فيجب أن نضم أفكارا كثيرة، وهذا لم يتوافر لكثير من الدعاة الذين شغلوا بحروب فلم يخلوا إلى أفكارهم لمراجعتها وورثها أتباعهم، وهناك من الأئمة من مات دون الستين فلم ينقحوا، وهناك من أحاطهم ذووهم بهالة من التعظيم فلم يناقشهم أحد، وهنا يجب أن يقوم الباحثون المتجردون بوضع أفكار الأئمة والدعاة واستخراج أفكار تسهل اجتماع الأمة على منظومة قرآنية لا خلاف عليها.• لكن البعض يقول إن «اختلاف الفقهاء رحمة» حتى يَسهُل على العوام الأخذ بالرأي الأنسب؟الاختلاف فعلاً رحمة ليتوافر للباحث أكثر من رأي يدمجه أو يقارب بينهم، وعند التخطيط يجب أن يتناسى الزعماء والعلماء والأئمة أنفسهم ويجتمعون على أن لكل واحد فكرة ويجتمعون على فكرة جديدة، وعلى سبيل المثال فهناك فارق بين أداء لاعب الكرة ضمن فريقه المحلي، وبين وجوده في الفريق القومي، فهو يغير طريقة لعبه وخطته، طبقاً للحاجة، وهنا لا يصح أن يتمسك أحد الناس بفكرة إمام مهما علا قدره، ولا بقول مذهب مهما كانت أصالته، لأنه فكر بشري.• كيف يمكن للمسلم استخراج العِبر والعِظات من القرآن؟العبر والعظات لها طريق واحد، هو إيجاد إنسان صالح وكون عامر، فإذا وجد المسلم مضمونا يقود إلى الإصلاح والإعمار، فهذه تكون عظة وعبرة، وهناك أيضاً سنن إلهية، فعندما تنظر إلى الجبال وترى ألوانها، فليس معقولاً أن تكون العلة من خلقها هو مجرد الاستمتاع بالألوان وحسب، بل إن تعدد ألوانها يكشف ثراءها بالعناصر والمعادن المختلفة، ونحن الآن نجد استخراج الغاز والبترول من أسفل البحار، فهل هذا جعل شعوب المسلمين والعرب يبحثون عن الغاز، بل مازالنا نستعين بالشركات الأجنبية للبحث والاستكشاف، فيقول تعالى «قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا» (النمل: 69) هذا توجيه قرآني، وعلينا أن نتعامل مع الطبيعة كما أُمرنا، وإلا فسنستمر في الهبوط من «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» (آل عمران:110) إلى ما نحن فيه الآن.