بين سكون سلوى روضة شقير وضوضاء متحف {تيت مودرن} اللندني تناقض متناغم ومتكامل صنع حدثاً بصرياً هندسياً نبيلاً. فالفنانة صاحبة السابعة والتسعين عاماً لم تسع يوماً نحو الضوء، فيما ارتحلت هالاته إليها وكانت وقفتها الأخيرة في متحف تغلفه نكهة خاصة معنوية ومادية، احتل أخيراً الدرجة الرابعة في العالم في تدفق الزوار عليه، فأتى بعد {اللوفر} الباريسي و{الميتروبوليتان} النيويوركي، بحسب إحصائية قدمتها صحيفة {الفن} العالمية خلال أبريل الجاري.

Ad

تميزت شقير بمزجها {الفن الإسلامي بالفيزياء والهندسة}، ويركِّز معرضها اللندني على منحوتات من عام 1950 إلى عام 1980، مشغولة بمواد مختلفة من الخشب والمعدن والحجر. يحتوي على 120 قطعة فنية، يعرض بعضها أمام الجمهور للمرة الأولى وتتوزع بين النحت والرسم.

يتضمن المعرض أيضاً أعمالاً تشكيلية من الخشب (الثنائيات)، بالإضافة إلى عناصر فخارية متداخلة وأشكال هندسية للمعادن والأحجار {والقصائد}، حيث المنحوتة مركبة من قطع عدة تتفكك وتتراكم مثلما تتفكك أبيات القصيدة العربية القائمة على أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي.

بدأت شقير مشوارها الإبداعي مع المدرسة الانطباعية ثم غاصت في موروثات الفن الإسلامي الذي قادها في ما بعد إلى التجريد، قبل أن تنصرف كلياً إلى النحت مؤمنةً بأن الفن يجب أن يكون جزءاً من حياتنا اليومية ويتفاعل معها، وليس مجرد قطع تثير الإعجاب. في بداياتها، مرت بمحترفين لاثنين من كبار فناني الانطباعية اللبنانية، عمر الأنسي ومصطفى فروخ. غير أن حدثاً غيّر مجرى حياتها بحسب ما تروي الناقدة مهى سلطان، حين أمضت سبعة أشهر في القاهرة عام 1943 وكانت المتاحف مغلقة بسبب اندلاع الحرب العالمية، فزارت المساجد والأبنية التراثية وتأثرت بما رأته من آثار الفنون الإسلامية وشكلت مصدر استلهامها، واعتبرت أن هذا النوع من الفن ينطوي على فكر ونظام وروحانية نابعة من فلسفة جمالية خاصة. وعام 1947 شكّل معرضها في {النادي الثقافي العربي} في بيروت أول معرض للرسم التجريدي في العالم العربي.

والراجح أنها استفادت كثيراً من معظم رحلاتها، سواء سفرها إلى العراق في نهاية الثلاثينيات، أو إلى مصر في منتصف الأربعينيات، ثم إلى باريس عام 1948 حيث أقامت ثلاث سنوات ونصف السنة، وشكلت عاملاً مهماً للتشبث بالفن التجريدي الذي لم يكن له نصير في العالم العربي آنذاك. في باريس، التحقت بمعهد الفنون الجميلة وتابعت دروساً تقنية في حقل الجداريات والحفر والنحت، ثم مارست رسم الأجساد العارية في معهد {غراند شوميير للرسم الحر}، لتلتحق في ما بعد بمحترف الفنان الفرنسي ليجيه فرنارد لمدة ثلاثة أشهر، غير أنها لم تستمر فيه لأن منهاج العمل لم يوافق مزاجها الفني.  

روحانيات

تتسع إنتاجات شقير الفنية بصرياً وهندسياً من دون أن تستقر في الأفق محاكية روحانيات تخاطب تكراراً خالداً للخطوط والمقرنصات والأقواس الإسلامية. فن يصافح الحيرة ويحيلها رؤى بصرية، تصفه الفنانة والناقدة التشكيلية هيلين قائلةً: «يقوم جوهر فن سلوى شقير على أساس التصورات الثقافية ويعكس بعمق فهمها لروح الفن الإسلامي العربي».

سلوى روضة شقير التي قدمت معارض قليلة ونالت جوائز كثيرة، عرضت أعمالها في باريس وأستقبل فنها بإعجاب كثير من الفنانين والنقاد في الغرب. لكنها عادت إلى بيروت بعد فترة قصيرة عازمة على مخاطبة العالم العربي بفنها التشكيلي والتجريدي. وفي حين ركّزت على تصاميم النوافير المبتكرة للساحات العامة في مشاريع النحت بالماء والحدائق بين 1970 و1990، فإنها تصف مجسّماتها في المرحلة الأخيرة (1990-1996) بأنها خلايا {دي إن إي} يمكن استخدامها جزءاً من الأبنية والصروح.

يذكر أن بعض منحوتاتها يُزين حدائق وسط بيروت، حديقة الأمير أمين في الباشورة وحديقة جبران خليل جبران أمام مبنى الأسكوا...

يستمر المعرض إلى 20 أكتوبر 2013.