مسلسل "سنعود بعد قليل" من المسلسلات السورية المهمة التي قدمت المشهد السوري بكل متناقضات الثورة الدائرة فيه، ما لها وما عليها، وكشف عن أدوار اللاعبين فيها سواء كانوا من طرف الجيش الحر أو الجيش الرسمي التابع للدولة، بشكل محايد تأملي فلسفي، وترك التصنيفات والتقديرات والأحكام للمشاهدين، وهو الحل الأمثل في شبكة واقع تشابكت خيوطه واختلفت مصالحه والتبست الأدوار في أتونه، وتداخلت أطراف عديدة فيه من داخل سورية ومن خارجها، وباتت الثورة مشكوكاً في توجهاتها ومصالحها، فبدلا من ان تكون لتحرير الشعب من حكم جائر، باتت ساحة المعارك لتخليص مصالح ومنافع لمتطرفين وقوى دولية متآمرة تحاول أن تقتنص فرصة الثورة لتمرر أهدافها في تدمير قوة الجيش السوري وتقسيم البلاد وإشغال مواطنيها في تصفيات تبقيهم في وضع يشبه الوضع العراقي إلى ما شاء الله، ويكون بذلك قد تم تدمير الجيش السوري وسلمت إسرائيل من خطره.

Ad

المسلسل مقتبس من فيلم إيطالي تم تحويله بما يتسق مع حالة الثورة السورية، وقام بالأدوار الرئيسية الممثل القدير دريد لحام وقصي الخولي وباسل خياط وعابد فهد وسلاف معمار وكندة علوش وكارمن لبس، ومجموعة كبيرة من النجوم الكبار كعادة المسلسلات السورية بتعميق رسم الدور، الذي هو أهم من طوله، وهو ما يكشف قدرة الممثل الحقيقية.

دريد لحام قام بدور أب لستة أبناء خرجوا من سورية بسبب الأوضاع غير الآمنة فيها، وذهبوا إلى بيروت، وبقي والدهم وحده في بيت العائلة الدمشقي الذي لم يغادره إلا بعد أن اكتشف إصابته بالسرطان، وفي حالة متأخرة منه، فقرر الذهاب إلى بيروت للعلاج وزيارة أولاده ومن هنا يكتشف واقعهم الجديد عليه.

فكل شخصية من أولاده طالها تشوهات نتجت جراء تأثير الثورة وانعكاسات الحرب المدمرة عليهم، فابنه الكبير السياسي قرر أن ينشق عن حزبه بمؤامرات لافتة، وابنه التاجر بدأ يتاجر في تهريب السلاح لأي طرف كان سواء الثوار أو الجيش الرسمي للدولة، وابنه الثالث أصبح إعلاميا بعد إقامة علاقة جنسية مع مذيعة المحطة المشهورة وصاحبة النفوذ، أما ابنه الرابع الرسام فيدخل في علاقة حب مع فتاة تبيع ورداً في الشوارع ويتورط مع أهلها مهربي السلاح، وابنته الكبرى تخون زوجها مع صديق لها مصاب في الحرب السورية، والابنة الصغرى التي تدرس التمثيل تنهي علاقتها الجسدية مع صديقها القديم وتشرع في إقامة علاقة مع مخرج يصور فيلماً عن كل الأطراف المشتركة في الحرب، مما يورطها في وضع خطير يكتشفه والدها صدفة، ومن ثم تكون فيها نهايته حين يداهمه النزيف وينقل إلى المستشفى.

ويجتمع حوله أولاده للوهلة الأولى حين تأخذهم الصدمة، ثم يعودون إلى انشغالاتهم وأوضاعهم المضطربة، رغم علمهم بصحوة والدهم وطلبه لرؤيتهم لآخر مرة قبل أن يموت، لكن انشغالاتهم الدنيوية كانت أهم من الوداع الأخير لوالدهم.

الحلقة الأخيرة من المسلسل هي أقوى الحلقات وأكثرها إنسانية وعمقا فلسفيا وتأمليا ساخرا لعبثية الحياة وتفاهة كل صراعاتها التي تسرق جوهر المعنى من الحياة ذاتها ومن صدق معايشتها، ومعرفة كيف تُعاش، فهي ليست أكثر من هذا المرور الأرضي الذي قد لا يتجاوز 60 أو 70 سنة وبالأكثر 80 عاما أو أقل من ذلك بكثير، ولا يجب أن تضيع في صراعات تستلب وتستولي على مغزى الوجود فيها. شيء محزن كل هذا الدم المراق في عبثية وجود لا يدرك معنى العيش فيه، ولا يتجاوز سوى هذا المرور الأرضي الذي يُهدر في تطاحن مرير يسير فيه شبح الموت متخفيا في عبوره كصاحب ورفيق حتى النهاية، المتمثلة بتلك المرأة التي كانت تحيك شالا لتضعه حول عنقه حين تأتي لتصطحبه هذه المرة بصدق معها دون أن يسألها الرفقة هذه، لتقول له اترك بيتك لأولادك فما عاد ينفعك بشيء.

مسلسل عميق وجاد في طرحه وإن ساد تركيب الشخصيات بعض المبالغات، فلا يمكن أن يكون كل الأبناء خطاؤون إلى هذه الدرجة التي تعم الأولاد كلهم في آن واحد مهما كانت الأسباب، لكن بشكل عام كان أداء الممثلين رائعا ومتقنا، كلا حسب الشخصية المرسومة له، لذا احتل المسلسل نسبة مشاهدة كبيرة هذا العام.