أعلن بالمر أنه ليس بمقدور شركة مايكروسوفت، ولو من باب الدفاع عن النفس، إن لم تكن هناك أسباب أخرى، أن تجازف بأن يُصَدَّ في وجهها باب منصة أجهزة الهاتف الذكي.
بالنسبة الى الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته في شركة مايكروسوفت، ستيف بالمر، ربما لم يكن أمامه بديل سوى أن يخاطر برمية أخيرة للزهر. ولكن الاحتمال ضئيل أن يقوم خليفته بتدبير أمر ما تبقى من شركة نوكيا للهواتف المحمولة على نحو يحول شركة مايكروسوفت، لتصبح منافساً حقيقياً فيما أصبح السوق المهيمن في الحوسبة الشخصية. كان هذا حكماً تلقائياً وغير محسوب من المستثمرين ومحللي الصناعة، حين انخفض سهم «مايكروسوفت» أكثر من 6 في المئة في ضربة واحدة ما أدى إلى فقدان الزيادة التي سجلتها الأسهم، على خلفية أنباء بمغادرة بالمر قبل ذلك بأيام فقط. شئنا أم أبينا، أصبحت حظوظ شركة مايكروسوفت في الأجهزة المحمولة متشابكة مع نوكيا أكثر ما يمكن أن نتصور، عندما أقامت الشركتان شراكة وثيقة منذ سنتين ونصف السنة. شركات تصنيع الهواتف المحمولة الأخرى منذ ذلك الوقت تخلت عن برامج الشركة الأميركية أو خفضت دعمها لها، تاركين شركة نوكيا لتمثل ما وصفه بالمر بأنه «أكثر من 80 في المئة» من سوق هواتف ويندوز. تحد خطير ومع ذلك، توشك الشركة الفنلندية على أن تنفذ من المال الكافي الذي يساعدها على تشكيل تحد خطير للشركات القوية العالمية مثل «أبل» و»سامسونغ». دون تحقيق تقدم كبير في المبيعات، فإن الشركة ستواجه أزمة نقدية في نهاية المطاف، على نحو دفع بعض المحللين إلى التحذير من إمكانية رؤيتها تغرق في دوامة هابطة، سبق أن غرقت فيها شركات منافسة، منها شركتا بالم وبلاك بيري. وأعلن بالمر أنه ليس بمقدور شركة مايكروسوفت، ولو من باب الدفاع عن النفس إن لم تكن هناك أسباب أخرى، أن تجازف بأن يُصَدَّ في وجهها باب منصة أجهزة الهاتف الذكي. وقال: «إننا نتعرض لخطر أن شركتي غوغل أو أبل سوف تضيع فرصتنا للابتكار. إن فرصة الأجهزة ربما تكون أفضل فرصة للسعي للحصول على مستخدمين بأعداد كبيرة جداً». الإتيان بقفزة لا مفر منها تقريباً، يترك شركة مايكروسوفت مقصرة بمسافة بعيدة للغاية عن هدفها المعلن، في أن تصبح ثالث أهم شركة للهواتف الذكية بمبيعات 250 مليون جهاز في السنة بحلول عام 2018، أي ما يقرب نفس عدد أجهزة الكمبيوتر التي يتوقع أن تباع هذا العام. إذا نظرنا إلى ذلك من منظور معدل المبيعات السنوي الأخير لشركة نوكيا والبالغ نحو 30 مليون جهاز، معنى ذلك أن الطريق مازال طويلاً أمام شركة مايكروسوفت. ارتفاع حاد وقال المحلل في مؤسسة فورستر للأبحاث تشارلز جولفِن: «تحقيق حصة سوقية بنسبة 3 في المئة، فيما يعتبر أهم بيئة للحوسبة بالنسبة للمستهلكين اليوم، لا شك أن هذا ارتفاع حاد للغاية، وليس من السهل تسلقها». ويمكن لمساهمي شركة مايكروسوفت على الأقل تعزية أنفسهم بفكرة واحدة، من الناحية النسبية، فإن شراء شركة نوكيا لم يكلف الكثير. مبلغ 5.44 مليارات يورو الذي تنفقه شركة مايكروسوفت أقل من 10 في المئة من احتياطياتها النقدية، ويعادل ثلاثة أشهر فقط من التدفقات النقدية التشغيلية التي تحصل عليها من المنتج التوأم، الذي يُكسِبها أكثر الأموال، وهما الأوفس وويندوز. والأفضل حتى من ذلك هو أنها تقوم بدفع السعر من أصل مبلغ 69.6 مليار دولار موجود في مناطق الأفشور -أي أنها أموال راكدة من شأنها أن تُحَمِّل الشركة فاتورة ضريبية ضخمة إذا ما أعيدت الأموال إلى الولايات المتحدة. الأهداف المالية أيضا مغرية، وفقاً لما تقوله إيمي هود، كبيرة الإداريين الماليين فإن رفع المبيعات إلى 50 مليون جهاز سنوياً من شأنه أن يحول قسم «مايكروسوفت» الجديد للهواتف الذكية إلى مشروع يحقق التعادل «بين التكاليف والإيرادات». كما أن تحقيق حصة سوقية بنسبة 15 في المئة بعد خمس سنوات من الآن -وهو مستوى تنبأت به شركة جارتنر للأبحاث- قد ينتج مبيعات 45 مليار دولار سنوياً، وفقاً لشركة مايكروسوفت. حتى على هامش تشغيل بنسبة 5 في المئة، فإن تقديرات الشركة تشير إلى أن هذا من شأنه أن يترجَم إلى قيمة 15 مليار دولار بالنسبة لقسم الهواتف الذكية. لكن سيكون من الأسهل بكثير رسم مثل هذه السيناريوهات المالية الوردية على الورق من تحقيقها في الممارسة العملية. استحسان ضئيل إحدى الفوائد المفترضة للصفقة -حتى تستطيع شركة مايكروسوفت دمج الأجهزة والبرمجيات في الأجهزة النقالة بشكل أكثر إحكاماً، مما يؤدي إلى منتجات أفضل- تحوز استحسانا ضئيلا من المحللين. وما يزيد في تحديات التنفيذ أن الشركة ستجد نفسها في منطقة غير مألوفة. موظفو شركة نوكيا البالغ عددهم 32 ألف شخص الذين سوف ترثهم شركة مايكروسوفت، سوف يرفعون قوتها العاملة بنحو الثلث. ويعمل نحو 18 ألف في عملية التصنيع داخل الشركة، وهو ما يناقض الاتجاه العام في صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية الحديثة، وهو أنها تستعين بمصادر خارجية. ومع ذلك، التحدي الأكبر للجميع سيكون إثارة الاهتمام في برامج هواتف ويندوز بين مجموعتين فشلت معهما «مايكروسوفت» فشلاً ذريعاً، مجموعة المستهلكين الذين أعرضوا عن العلامة التجارية لهاتف ويندوز، ومطوري البرمجيات الذين توافدوا بدلاً من ذلك إلى منصات شركتي أبل وغوغل. وعلى حد تعبير تيري مايرسون، الرئيس الجديد لقسم أنظمة التشغيل في شركة مايكروسوفت، في بيان مدروس يقصر كثيراً عن الوصف الفعلي: «إن أساليب التسويق التي استخدمناها في الماضي ليست كافية». يقول بن وود، محلل الهواتف المحمولة في شركة سي سي إس إنسايت، إنه لتصحيح هذه الهفوات السابقة «سيتوجب على شركة مايكروسوفت إنفاق مبلغ ضخم من المال». ولكن حتى لو عملت بشكل أفضل من حيث حشد الاهتمام في أجهزتها الخاصة، فإنها لاتزال تواجه مشكلة أعمق ناجمة عن تغيير عميق أدى إلى أن تكون الأجهزة المحمولة والخدمات السحابية في مركز الكون التكنولوجي. يشير جولفِن إلى أن الزبائن لا يشترون الهواتف فقط بسبب نوع الجهاز: الأجهزة تأتي وسط نظام بيئي معقد يتألف من المحتوى والخدمات والبرامج. ومن خلال الجمع بين الاستحواذات واستثمارات مكلفة تعود في بعض الحالات إلى أكثر من عقد، توجد لدى «مايكروسوفت» بعض القطع اللازمة لإنشاء عرض إجمالي لا بد منه لاجتذاب وربط المستخدمين -وهي قسم ألعاب إكس بوكس، وآلة البحث بينج، وخدمة اتصالات سكايب، وخدمة سكاي درايف للتخزين السحابي، من بين أقسام أخرى. إن الجمع بين هذه وبين القطع الأخرى في تجربة متماسكة قادرة على التصدي لشركتي أبل أو غوغل، تَبيَّنَ أنه فوق طاقة شركة مايكروسوفت حتى الآن. ولكن مع وضع شركة نوكيا تحت جناحها، سوف تكون جاهزة قريباً لإعادة المحاولة. يقول ميلانيسي: «ليس لديهم خيار. إما كل شيء أو لا شيء».
اقتصاد
استحواذ «مايكروسوفت» على «نوكيا»... المصلحة مشتركة
06-09-2013