تشكل عناوين الروايات والدواوين الشعرية مفتاحاً لقراءة الواقع الثقافي في العالم العربي، من لبنان إلى السعودية ومن القاهرة إلى بغداد. حين أصدر الكاتب اللبناني حسان الزين رواية بعنوان «الرفيق علي» عن دار «الساقي» قبل سنوات، كان يشير بحسب قوله إلى تناقض بين مفهومين، بين كلمة رفيق التي تدل على معنى ثوري ماركسي يساري وشيوعي وولاء أيديولوجي، و{علي» التي تشير بوضوح إلى الولاء الديني أو المذهبي والمناطقي. لم يتحقق الالتباس أو التناقض في عنوان رواية الزين فحسب، بل أيضاً في معزوفة «أبو علي» لزياد الرحباني وقصيدة الشاعر اللبناني عباس بيضون الشهيرة «يا علي»، تلك القصيدة النيرودية (نسبة إلى بابلو نيرودا) المستلهمة شخصيتها من علي شعيب، «بطل» عملية «بنك أوف أميركا» التي نفذتها مجموعة يسارية خلال حرب تشرين 1973، يقول فيها بيضون: «قاومت لتحرر دمك/ من عنابر الزيت/ وفمك من مخازن السكر/ وعظامك من مقاعد الزعماء وأمراء الدواوين/ لكن يا علي، أين تجد هنا أرضاً/ لرأس طليق ويدين حرتين...». هذه القصيدة غناها الفنان مارسيل خليفة وصارت راسخة في الوجدان الجمعي اليساري والجنوبي اللبناني.

Ad

أراد بيضون بعد انشقاقه عن اليسار أن يلغي الأغنية من ذاكرته الشعرية، ولم يدرجها في دواوينه ولكنها بقيت أقوى من أن تمحى، راسخة في الوجدان وهي تحمل دلائل كثيرة والتباسات عدة، بين الثورية والولاء لجنوب لبنان والولاء الشيعي، هي لعبة الهوية والتناقضات، لعبة اليسار اللبناني الضائع بين الطوائف والعلمانية غير الواضحة. لا يخفي أحد قوة قصيدة بيضون ومتانتها، والسؤال هل يجوز للشاعر أن يتخلى عن قصيدة بحكم تبدل الأيديولوجيا؟

روايات

في زمن تنامي الولاء والهويات الطائفية، يحضر اسم علي بقوة في عناوين الروايات، يوازي في حضوره اسم «مريم»، إنها لعبة التسويق (الماركتينغ) الأدبي التي لها وقعها على القارئ. أصدرت الروائية الكسندرا شريتح قبل مدة رواية بعنوان «علي وأمه الروسية»، وفيها يسير الحلم والأمل جنباً إلى جنب، ليتصديا لواقع تعبُر من خلاله الروائية عن كل ما يشتعل في نفسها من أحاسيس، وما يدور في وجدانها من مشاعر، وعن خيبات الأمل والفراق، ولكن يبقى للحب مكان في حياة البشر حتى في أصعب الأوقات. إلا أنها قصة حب لم تكتمل، لماذا؟ نجد التفاصيل في خبايا سطور الرواية.

جاء في الرواية: «نهار 12 تموز 2006، سمعنا بخبر خطف حزب الله جنديين إسرائيليين على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، لكنّ ذلك لم يمنعنا من الذهاب إلى المطعم لنأكل السوشي. وبعد أن أنهينا وجبتنا، أعلنتْ إسرائيل الحرب على لبنان، فأسرع العاملون في المطعم إلى إغلاقه، طالبين منّا أن نغادر فوراً فغادرنا فوراً دون أن ندفع الفاتورة. كان من حسن حظّنا أننا ذهبنا إلى أحد أغلى المطاعم في وسط بيروت! وقد ذهبنا رغم علمنا بأن الأمور لم تكن تسير بشكل طبيعي ذلك النهار. فقد كانت الشوارع شبه خالية عكس عادتها، أمّا المطعم الذي اعتدنا أن يكون مكتظاً، فكاد أن يكون فارغاً، لولانا: أنا ورفيقتي أمل وصديقها سليم بالإضافة إلى شابين لا نعرفهما كانا يجلسان على طاولة مجاورة، ويدخّنان. كان أحد هذين الشابين ينظر إليّ من وقت لآخر طوال فترة الغداء. وقد انتبهتُ إلى اهتمامه بي فور دخولي وحرصت على أن أتحاشى نظراته لأن جرأته أربكتني، لكنّ تجاهلي له لم يحدّ من جرأته واندفاعه، فما أن خرجنا من المطعم، حتى اقترب منّي وخاطبني باسمي. غريب! قلتُ في نفسي. لكنّ الأكثر غرابةً كان أنه تكلم معي بالروسية، وهي لغتي الأم الثانية لأن أمّي روسية».

ويروح علي، يسرد على مدار الرواية وخلال الرحلة من السفارة الروسية إلى مطار اللاذقية، فإلى مطار موسكو، مقتطفات من قصة حياته. قصة تصيب الراوية، التي تحولت إلى مستمعة، بنوعٍ من الغضب والضيق. وشريتح عرفَت كيف تخفف من وطأة سوداوية مأساة علي وعائلته فدأبَت على إضافة عوامل من المجتمع جعلت شبكة السرد في روايتها متماسكة ومتنوعة وغنية بالقصص والوقائع.

علي الأميركاني

اختارت الكسندرا شريتح أن تعنون روايتها «علي وأمه الروسية، في حين وجدت هالة كوثراني العنوان المقابل «علي الأميركاني». في هذه الرواية، عالجت قضايا الهوية واللاإنتماء في وطن وزّع أبناءه بين المنافي الخارجية (علي) والمنافي الداخلية (شيرين).

تشكل عودة علي من أميركا الحدث الذي منه انبثقت أحداث الرواية وحكايتها. فبعد أن تلتقي الراوية شيرين بحبيبها الأول العائد من سفره الطويل، صدفةً، في مكتبة نعمة يافث في الجامعة الأميركية في بيروت، تعقد معه اتفاقاً يقضي بأن يُساعدها في تنفيذ مشروع حياتها بأن تُصبح كاتبة، من خلال تدوين ما يرويه لها، على أن تجعله بطل روايتها. هكذا يعودان إلى جنوب لبنان حيث تسهل عملية التذكّر في المكان المتصّل بالجذور والأصول، بالطفولة، بالفترة الجميلة ما قبل الحرب والمنفى.

ومن خلال صورة هذين البطلين، أرادت الكاتبة أن ترسم سيكولوجية ضحايا حرب لم ترأف بمن أبقتهم على قيد الحياة، بل رمتهم صَرعى أسئلة المنافي والهويات القاتلة.

لسنا في صدد قراءة شاملة للروايات بقدر ما يهمنا التلميح لظاهرة هذه العناوين.

لا يقتصر الأمر على عناوين مثل علي (وقبله مريم) فالأمر تعدى ذلك الى وضع أسماء الطوائف في العناوين مثل «دروز بلغراد، ومذكرات امرأة شيعية»، وثمة عناوين تلعب على وتر المكان مثل «بنات الرياض» و»بنات إيران»، وهو موضوع يحتاج إلى مقاربة أخرى.