مأساة ثم... ملهاة
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
كتب جورج الطرابيشي (هرطقات جزء 2) "... لم أضع أي رهان من طبيعة عجائبية يأتي عن طريق صندوق الاقتراع إذا لم يتحول بتحول عقلي في صندوق الجمجمة.."، ويقرر الكاتب أن التدخل الأميركي لم يقدم أكثر من المناسبة لانفجار الحرب الطائفية، ولكنه لم يكن عاملها على صعيد السببية.."، فالحالة الطائفية وحروبها المروعة استُهلت بموقعة الجمل، ثم صفين، وأخذت بعدها الكارثي في مأساة كربلاء حين قتل بصورة بشعة 72 من أهل البيت... وتمضي السنون المظلمة، وتصعد وتخبو نيران تلك الحروب لتصل إلى تلك الفقرة التي أقتبسها من المؤرخ ابن كثير في البداية والنهاية"... ففي صفر سنة ٤٤٣هـ وقعت الحرب بين الروافض والسنة، فقُتل من الفريقين خلق كثير، وذلك أن الروافض نصبوا أبراجاً وكتبوا عليها "محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر"، فأنكرت السنة اقتران علي مع محمد صلى الله عليه وسلم في هذا، فنشبت الحرب واستمر القتال بينهم إلى ربيع الأول، فقتل رجل هاشمي فدفن عند الإمام أحمد (ابن حنبل) ورجع السنة من دفنه فنهبوا مشهد موسى بن جعفر، وأحرقوا ضريح موسى (الكاظم) ومحمد بن الجواد وقبور بني بويه، وأُحرق قبر جعفر بن المنصور ومحمد الأمين، وأم زبيدة وقبور كثيرة..."، ويلاحظ الطرابيشي، أن الحروب الدينية استمرت في أوروبا ثلاثين عاماً من 1618م إلى 1648 وانتهت بصلح وستفاليا، أما حروب الشيعة مع السنة فاستمرت أكثر من٣٠٠ عام حتى سقوط بغداد. تلك كانت صورة تاريخية رسمها المؤرخ والفقيه السلفي السني ابن كثير، لا يمكن لومه على تعبيره بكلمة "روافض" في وصفه للشيعة، لأن فكره كان وليد زمنه وهو زمن الفتن، كما لا نلوم مؤرخي وفقهاء الشيعة على تعبيرهم بكلمة "نواصب"، لأن فكرهم كان وليد ذلك الجذب الطائفي الغائر في تاريخنا العربي، لكن كيف هو الأمر اليوم، حين تقع سلسلة من التفجيرات للمراقد والتجمعات الشيعية في العراق وتحرق الكنائس، وتشرع حرب تحرير في سورية ضد نظام متوحش، تكاد تتحول إلى حرب طائفية لها صورها الكثيرة في لبنان والعراق، إضافة إلى مسخ المطالبة بالديمقراطية في البحرين وتحويلها إلى استقطاب طائفي، ومناقشات مجالس الأمة بالكويت التي تضج بتهم ومشاريع الطائفية، وتعلو نبرات أصوات شباب التوتير الصبغة الدينية المتشددة؟!ألم يكن ماركس صادقاً في أن التاريخ لا يكرر نفسه عندما يكررها إلا ليحول المأساة إلى ملهاة؟" قبل ألف عام كانت مأساة، ونخشى أن يكون غدنا ملهاة... فهل يتعظ الطائفيون؟!