«فاينانشال تايمز»: الأسواق الناشئة تدخل مرحلة أكثر هدوءاً

نشر في 29-08-2013 | 00:01
آخر تحديث 29-08-2013 | 00:01
No Image Caption
الأداء الصاخب في العقد الماضي ليس دليلاً على العوائد المستقبلية
تعمل أسعار الصرف المرنة، في أي حالة، على زيادة صعوبة حدوث أزمة مالية تقليدية. والكوارث التي حلت بالمكسيك عام 1994 وجنوب شرق آسيا عام 1997 حدثت عندما تم فك ارتباط العملات بصورة مفاجئة.

البيع الذي حدث في الأسابيع الماضية لعملات مثل الروبية الهندية كان – حتى الآن على الأقل – مجرد تصحيح لخلل ظل يتعاظم منذ عقد تقريبا. لكن الأسواق تستطيع إحداث زخم خاص بها، فهل يمكن أن يتحول هذا إلى أزمة؟ 

أولاً، دعونا ننظر إلى الكيفية التي تم بها الاستثمار في الأسواق الناشئة في العقد الماضي. فعلى الرغم من الأسماء المختلفة التي أُلبست عليه (مثل استثمارات «بريكس»، إشارة إلى البرازيل وروسيا والهند والصين)، فإن أكبر محرك للأصول في الأسواق الناشئة كان الأموال المتدفقة إلى الداخل، خصوصا من الولايات المتحدة. 

وابتداءً من عام 2002 (عندما خفض الاحتياطي الفدرالي تحت إدارة ألان غرينسبان أسعار الفائدة في نهاية فقاعة الإنترنت)، تدفقت الدولارات إلى الأسواق الناشئة. وكان هذا أحد أشكال «تجارة المناقلة»، وهي أموال يقترضها مستثمرون بأسعار رخيصة ويضعونها في أماكن يستطيعون فيها جني عوائد أعلى. وعملت هذه التجارة بشكل جيد، على الرغم من تسببها في تخفيض قيمة الدولار، وعلى الرغم من أن نمو الصين ساعدها على بناء احتياطي أكبر حتى من ذي قبل من العملات الأجنبية. 

لكن في عام 2011 تباطأ تراكم الاحتياطيات المالية. ولم يعد المسؤولون الصينيون حريصين على تراكم الاحتياطيات بعدما أصابهم قلق من حدوث فقاعات أصول في بلادهم. وعليه اهتزت الثقة بقصة النمو الصيني التي اعتمد عليها كثير من المستثمرين الغربيين في الصين. وهكذا نقصت المكتسبات التي تحققت في الأسواق الناشئة بصورة حادة. وبالتالي أُلغيت جميع المكاسب التي جنتها أسهم دول البريكس، التي فاقت نظيرتها الأميركية منذ عام 2006. 

 

شراء الأصوات

 

أصبح هذا التحول الثابت أكبر سرعة بكثير بعد أن بدأت قيمة السندات الأميركية بالارتفاع هذه السنة بمنتهى الحماس. وكان أهم سبب في ذلك هو بدء بن برنانكي، رئيس الاحتياطي الفدرالي، الحديث عن التخفيف من مشترياته من سندات الخزانة. وسيسمح هذا برفع أسعار الفائدة، وهناك احتمال كبير لأن يبدأ الانسحاب التدريجي عقب اجتماع الاحتياطي الفدرالي الذي سيعقد في الشهر المقبل. ويعمل ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بشكل آلي على جعل الأسواق الناشئة أقل جاذبية بالنسبة لتجارة المناقلة. 

وحتى الآن كان بيع كل من العملات والأسهم هو الأكبر في البلدان التي تعاني عجزا في الحساب الجاري. ويبين بحث أجراه جون لوماكس، من بنك إتش إس بي سي، أن الأسواق الناشئة التي لديها فائض في الحساب الجاري بدأت بالتفوق الحاد في أدائها على الدول التي تعاني عجزا في مايو، وأن لهذا التفوق علاقة شبه مباشرة بارتفاع عائدات السندات. 

ويشير هذا إلى أن المستثمرين في الأسهم قلقون من أن يتحول هذا إلى أزمة من النوع التقليدي، لأن التخفيضات في قيمة العملة تُكرِه البلدان المستوردة بكميات كبيرة على الوقوع تحت حالة من التضخم الشديد. هذا هو ما يفسر مشاعر القلق بشأن الهند. 

 

ارتفاع أسعار العملات

 

لكن يمكن أن يُنظر إلى معظم هذا على أنه تصحيح. فقد تعززت الأصول في الأسواق الناشئة بتدفقات مالية مصطنعة. واشتكى كثيرون من أن عملتهم كانت قوية فوق الحد، الأمر الذي جعل الحياة صعبة على المصدرين. وحتى البرازيل ادعت أن الغرب كان يشن عليها «حرب عملات». أما الآن بعد أن تراجع الريال البرازيلي بنسبة 38 في المئة مقابل الدولار خلال سنتين، وهو مستوى الانخفاض الذي بلغه أثناء أزمة عام 2008، فقد اختفت مثل هذه الشكاوى بهدوء. 

وتعمل أسعار الصرف المرنة، في أي حالة، على زيادة صعوبة حدوث أزمة مالية تقليدية. والكوارث التي حلت بالمكسيك عام 1994 وجنوب شرق آسيا عام 1997 حدثت عندما تم فك ارتباط العملات بصورة مفاجئة. ويمكن الآن للعملات أن تعمل صمام أمان، والعديد من البلدان الطرفية في أوروبا ستكون سعيدة جداً بالتخفيض عند هذه النقطة. وبوجود مخصصات لاستغلال الفرص – بدأ الآن كثير من البنوك المركزية بإنفاقها – وبوجود قسم أكبر بكثير من سنداتها مقومة بالعملات المحلية، ينبغي أن يكون من الممكن تصحيح الحالات القصوى من العقد الماضي، دون إطلاق أزمات مالية أو كساد اقتصادي. 

فضلاً عن ذلك، نحن نقترب من النقطة التي تصبح فيها أسهم الأسواق الناشئة قادرة على تقديم قيمة حقيقية. ويبين بحث قدمه ميبان فابر، من مؤسسة كامبريا لإدارة الاستثمار، معتمداً على معدل الأسعار إلى الأرباح المعدلة بحسب الدورة، أنه في نهاية يوليو، بدت كل من أسهم إندونيسيا وتايلاند (وبدرجة أقل ماليزيا وجنوب إفريقيا) أكثر تكلفة من حيث معدل أدائها في المدى البعيد. أما الصين والبرازيل وروسيا وبيرو فتبدو رخيصة بصورة ملحوظة. 

 

أسهم الأسواق الناشئة

 

وعند مقارنة أسهم الأسواق الناشئة بقيمتها الدفترية، تبدو رخيصة مثلما كانت قبل عقد، باستثناء بضعة أشهر أثناء أسوأ فترة في أزمة 2008. 

بالتالي، بالنسبة للذين يستطيعون الانتظار عشر سنوات، بعض الأسهم في الأسواق الناشئة تبدو مقنعة تماماً للاستثمار فيها، لكن هناك تحذيران. 

الأول، أن أداء الأسواق الناشئة خلال العقد الماضي، المدفوع بالدولار الضعيف، ليس دليلاً يُسترشَد به بخصوص العوائد المستقبلية. وينبغي لأحد ألا يتوقع للعوائد، بالمعدلات النسبية أو المطلقة، أن تكون قريبة بأي صورة من الصور من النطاق الذي شهدناه خلال تلك السنوات. فنحن ندخل الآن في فترة جديدة وأكثر هدوءاً. 

والتحذير الآخر هو أن الغوص أثناء الأسابيع القليلة المقبلة سيكون خطِراً. وعلى الأقل إلى أن يعلن الاحتياطي الفدرالي قراره حول الانسحاب التدريجي، من الممكن لعمليات البيع المكثف لسندات الخزانة أن تزداد قبحاً. وكان الصعود على مدى عشر سنوات مدفوعاً بالأموال الأميركية، والشيء نفسه ينطبق على البيع المكثف. 

وحتى الآن لا يعد هذا أزمة، كما أن الإصلاحات والتحسينات في العقد الماضي تعني أنه ينبغي أن يكون من الممكن تجنب الأزمة. لكن إذا عانت سندات الخزانة تراجعا غير منظم، وهو أمر ممكن، فإن أكبر الضحايا سيكون الأسواق الناشئة.

 

back to top