لوجين النشوان... وانعكاس النبضات!

نشر في 22-09-2013 | 00:01
آخر تحديث 22-09-2013 | 00:01
No Image Caption
تتمتع الكاتبة لوجين النشوان بقدرة على صنع حبكة قصصية تبتعد عن الأسلوب التقريري في غالبية نصوص مجموعتها القصصية {30 نبضة من فضة}، رغم قصر أكثر القصص، لذا يحتاج المتلقي إلى إعادة قراءة بعضها، ليتعرف إلى النهايات.
وقع بيدي كتاب {30 نبضة من فضة}، الصادر عام 2012، وعلى ما يبدو صدر منه جزء أول لم نتمكن من الإطلاع عليه، والمنتج عبارة عن مجموعة قصصية جديدة للكاتبة لوجين النشوان، وهي من الشباب الكويتي الذي وجد ضالته في التعبير عن أفكاره عبر كتابة القصة، ومحاولة اقتحام أسوار المجتمع من خلال أبوابه وليس نوافذه.

عندما بدأت قراءة المجموعة شعرت بزحام النبضات، وقد يكون ثمة ملل في متابعة 30 نبضة و30 قصة، إلا أنني أكملت ما بدأت حتى آخر الكتاب، ليس لتقديم نص نقدي إنما للتقييم، وهنا لا بد من الإشارة إلى وجود سوء فهم أو التباس... فلكلمة نقد مدلول سلبي لدى القارئ، وكأنك تكشف العيوب فحسب، أو تعري الكاتب. أما التقييم فأمر متعارف عليه، ومن يتصدى لتقييم أي منتج، يجب أن يذكر الجوانب الإيجابية، كذلك السلبية من وجهة نظره، لتلافي الجوانب السلبية مستقبلا، إن وجدت أو إن أقتنع الكاتب بما طرح.

قد يفهم القارئ أننا عندما نذكر كلمة منتج، نقارن المنتج التجاري المتوافر على رفوف الأسواق والجمعيات كما المنتج الأدبي. شخصياً، أعتبر كليهما {منتج}، فذاك تجاري وهذا فكري، والتقييم واجب، لأنهما لم يأتيا إلا بعد تفكير وتعب وتخطيط ودراسة، وإن اختلفت المعطيات والأهداف، من هنا كل نتاج بشري قابل للتقييم والنقد.

 

  ضوء

عندما نتصفح الإصدار نكتشف أن الكاتبة لوجين حمد النشوان لديها قدرة على إنتاج عمل نظيف، بمعنى أن ثمة صفاً مهنياً ممتازاً للكتاب، ومراجعة دقيقة، وإخراجاً جيداً، وقلما نكتشف أخطاء مطبعية، ولكن بنط خط الكتابة كبير، ويفترض أن يكون أصغر، مقارنة مع حجم الكتاب. أما المضمون فيستحقّ الإشادة رغم ما سنذكر من نقاط يجب تلافيها مستقبلا إن أمكن.

لكن السؤال: لماذا أصدرت الكاتبة جزءاً ثانياً من مجموعة قصصية بالعنوان نفسه؟ وفق علمنا... ليس ذلك متعارفاً عليه أدبياً، والمتعارف عليه أن يصدر جزء ثان من رواية، وليس من مجموعة قصصية تتضمن نصوصا متفرقة.

لذا كان الأفضل أن تختار الكاتبة لمجموعتها القصصية- الجزء الثاني، عنواناً جديداً حتى لا يحدث التباس للمتلقي والناقد. الأمر محيّر ومربك، ونتمنى ألا يصدر جزء ثالث بالعنوان نفسه، فقد يحدث ارتباكاً أكثر لدى المتلقي، إنما ثمة ضوء في ما كتب، فمضمون القصص جيد وعميق.

 لدى الكاتبة قدرة على صنع حبكة قصصية تبتعد عن الأسلوب التقريري في غالبية النصوص، رغم قصر معظمها، لذا يحتاج المتلقي إلى إعادة قراءة بعض القصص، ليتعرف إلى النهايات هكذا تتاح للقارئ التفكير وليس أن يجد نهايات جاهزة، وهذا أسلوب ذكي من لوجين لشحذ ذهن القارئ المهتم.

لكن المحيّر: {لماذا 30 نبضة و30 قصة؟} فعلا الأمر محيّر، قبل بداية كل قصة ثمة نبضة، وهي عبارة عن جملة موجزة بليغة، نبضة رقم 6 أتت كالتالي: {ننسى أمام لمعة الألماس وبريقه أنه والفحم من أصل واحد}، من دون أن تذكر الكاتبة من قائل هذا القول أو النبضة... هل الكاتبة هي القائل، أم قول لشخص آخر.

حتما يحدث ذلك التباساً لدى القارئ في تلك النبضات وزحامها مع القصص، ويفترض ذكر قائل النبضات حفاظاً لحقوق الآخرين، أو التنويه بأنها هي القائلة، رغم أن تلك النبضات أو الأقوال لا داعي لإقحامها في الكتاب ما دام أنه جميل ومقبول، فلو ألغينا 30 نبضة أو قولاً، لن يؤثر ذلك على جدية الإصدار.

  أمر آخر... لماذا 30 قصة في مجموعة قصصية، بمعنى لو اختارت الكاتبة أفضل 15 قصة واكتفت بها لكان أفضل من زحام النبضات والقصص في إصدار واحد، قد يشتت القارئ أو يقوده إلى الملل.

جو اجتماعي

 

تدور قصص المجموعة في غالبيتها في جو اجتماعي، وترسم ملامح إنسانية وحياة مجتمع ما، لكن ثمة أمراً محيراً هو غياب {المكان}، ولا ذكر له، رغم أن ذلك ليس إجبارياً للكاتب، إنما الإشارة إلى المكان تضفي جواً أفضل لتخيّل المتلقي.

نعني بذلك عندما تذكر الكاتبة حدثاً ما لا تشير من قريب أو بعيد إلى مكانه، فلو ذكرت جملة {ويمر عبر شارع تونس في حولي} لعرف القارئ أن الحدث في الكويت، وقد يتعايش مع فضاء القصة أكثر، ولكن في غالبية النصوص لا وجود للمكان، إذ بإمكان قارئ في الأردن مثلا أن يقرأ نصاً ويتخيل أنه وقع في عمان أو يتخيل قارئ في الكويت أن الحدث وقع في الكويت، وهذا ليس سلبياً إنما للمكان في قصص ما ضرورة. كذلك تغيب الأسماء، فلا ذكر لأسماء الأبطال، رغم أن هذا ليس إلزامياً.

تتمحور القصص حول قضايا من عمق المجتمع: زواج، تأخر زواج، مشاكل خدم، قصص إنسانية رمزية... لكن الملاحظ أن الكاتبة ابتعدت عن إسقاطات فكرية مهمة، ولم تشر، من قريب أو بعيد، إلى أحداث سياسية مرّ بها مجتمعها خلال عقدين من الزمان، فهل هي بعيدة عما يدور حولها من إسقاطات سياسية (تجمعات ساحة الإرادة) وانعكاساتها المجتمعية على الواقع الكويتي؟ في الحقيقة، لم نلحظ أي مؤشر لذلك كي يضفي على المجموعة عمقاً فكرياً أكبر، قد تكون الكاتبة تعمدت ذلك.

إسقاطات ذكية

عندما نلقي الضوء على بعض القصص نكتشف أن الكاتبة تحاول سبر ذكاء القارئ، فهو لن يكتشف نهايات بعض القصص، حتماً، إلا عندما يعيد القراءة بتأنٍ.

قصة {وهم} إحدى أجمل القصص، تقودك الكاتبة إلى نهاية لم تتوقعها وتعالج قضية الانتظار القاتل لدى البطلة، وكنت أتمنى لو كانت عنوان المجموعة.

وفي قصة {التزام} نكتشف أن البطل يلهث وراء موعد زائف، إذ اختلطت عليه الأيام وتوجّه لحضور حفلة تكريمه قبل يوم الحفلة، ما أوقعه في موقف لا يحسد عليه.

قصة {تفاني} جميلة ولها أبعاد عميقة، إذ تمثل ازدواجية التعايش مع الواقع لدى الفنان الذي يظهر على المسرح بوجه آخر غير وجهه الحقيقي.

قصة {خادمة} تمثل واقعاً نتعايش معه، ولا نحاول الابتعاد عنه، تناقش بتفوق حياة خادمة في منزل لكن مع نهاية لا تستطيع أن تتوقعها. تستحق هذه القصة أن تتحول، بامتياز، إلى حلقة تلفزيونية إن وجدت كاتب سيناريو مقتدراً.

في قصة {أقنعة} رغم أن الحبكة جيدة فإن النهاية تبدو مصطنعة وغير واقعية، قد تجد من يستمتع بها إذا لم يثر تساؤلات تتناول تسلسل الأحداث، فلا يعقل أن يأتي شاب لخطبة فتاة ويكتشف أنها زميلته على مقاعد الدراسة التي...!

قصة {حنان القسوة} توعوية مباشرة، ترسم معنى جميلا قد يلتصق بذهن القارئ رغم إنها قصيرة جداً...

أخيراً لن نسبر واقع بقية القصص، بل نتركها لمن تقع المجموعة بين يديه، ليكتشف نتاج شابة كويتية، هي لوجين النشوان التي نأمل أن تستمر في السير في طريق الإبداع بثقة، وأن تكون ملامح عملها الجميل هذا في انتظار ملامح عمل أجمل مقبل، يتخطى أي سلبيات أو هنات هنا أو هناك.

back to top