قبل عقد، اعتلى جورج بوش الابن المنصة على متن حاملة طائرات أميركية ليعلن "إتمام المهمة" الأميركية في العراق، لكن حرب الولايات المتحدة الطويلة في العراق كانت قد بدأت لتوها.

Ad

ثمة أوجه شبه غريبة بين رئاسة باراك أوباما وعهد سلفه جورج بوش الابن، ولا شك أنها ليست أوجها مفرحة، فقد دفعت رؤية بوش "التحويلية" الولايات المتحدة إلى دخول العراق، مبددة فيض النوايا الحسنة العالمي الذي نالته الولايات المتحدة عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.

في المقابل، بدا أوباما مع مقاربته الواقعية إلى الشؤون الخارجية حذراً حيال إلزام الولايات المتحدة بأي مغامرات خارجية، فقد أعلن متأخراً وبتردد أن وقت حسني مبارك كرئيس لمصر قد انتهى. كذلك ظهر تردده جلياً خلال إعلانه التدخل العسكري في الثورة الليبية، إلا أن هاتين الخطوتين عززتا مكانته في العالم العربي أكثر من خطابه المدروس في جامعة القاهرة، لكن هذه المكانة باتت اليوم مهددة لأنها قد تُهدر في سورية.

خلال عهد الرئيس أوباما، حاولت الولايات المتحدة باستمرار أن تنأى بنفسها عن المنطقة، لكن الشؤون الخارجية، خصوصا الشرق الأوسط، تبدد دوما أي تفاهات سياسية. قاد تردد أوباما بشأن ما يجب القيام به في سورية إلى حرب أوسع، فبامتناعه فترة طويلة عن اتخاذ أي خطوات، ولد أوباما الظروف الملائمة لاندلاع صراع إقليمي، تماما كما حدث مع غزو بوش غير المدروس للعراق. وإن لم يقُم أوباما بالخيارات الصحيحة اليوم، فستتحول سورية إلى عراق باراك أوباما.

خلال فترات طويلة من السنتين الماضيتين، بدا أن التطورات في سورية وصلت إلى حائط مسدود، لكنها لم تكن كذلك في الواقع، إلا أن معمعة الحرب اليومية من خسارة بعض المناطق أو السيطرة على مناطق جديدة لم تكن تحتل عناوين الأخبار الرئيسة. صحيح أن الأضواء سُلطت أحياناً على المجازر، التي انتشرت في مناطق القتال المختلفة، لكن حوادث الحرب اليومية، التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من السوريين، مرت مرور الكرام، غير أن التطورات بدأت تتسارع اليوم بوتيرة مخيفة.

خلال الأيام القليلة الماضية، اتخذ الصراع السوري منحى جديداً مقلقاً، فقد أدخل نظام بشار الأسد بهدوء ترسانته من الأسلحة الكيماوية إلى الصراع. كذلك انضم "حزب الله" وإسرائيل علانية إلى الحرب.

جذب الصراع السوري اليوم أغلبية الدول القوية في المنطقة، فباتت المملكة العربية السعودية، وتركيا، وإيران، وإسرائيل متورطة فيه عميقاً بطريقة أو بأخرى، داعمة هذا الطرف أو ذاك. (لا تزال مصر حتى اليوم الاستثناء الوحيد بين دول الشرق الأوسط الكبرى). وإن كان أوباما يخشى أن يؤدي تدخل الولايات المتحدة في سورية إلى حرب إقليمية، فهو ليس مصيباً تماماً، لأن الحرب الإقليمية قد بدأت.

وكما أن إرث بوش مرتبط أشد ارتباط بالعراق، كذلك فقد يحدد ما سيقدِم عليه أوباما اليوم في سورية عهده إلى الأبد، ولكن مع تأجيل اتخاذ الخطوات الحاسمة فترة طويلة، تقلصت الخيارات المتوافرة أمامه.

قبل سنة، كان باستطاعة الولايات المتحدة فرض منطقة حظر جوي بدعم كبير من الدول العربية وتركيا. أما اليوم، فأصبح فرض منطقة حظر جوي أكثر صعوبة من الناحية العسكرية مع انضمام "حزب الله" إلى الصراع، ومن الناحية السياسية مع العناد الروسي والتدخل الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، بدا تمرير السلاح إلى الثوار خياراً أكثر أماناً. غير أن الولايات المتحدة رفضت السماح بإيصال أسلحة فتاكة إلى الثوار، ما فتح الباب أمام المجموعات الأكثر جاهزية وتشدداً لتنال الدعم الأكبر.

علاوة على ذلك، بدأت مصداقية أوباما (ومصداقية الولايات المتحدة) تتقلص، فقد تصرف الأسد بذكاء، مختبراً "الخطوط الحمراء" الأميركية، فصعد تدريجياً استخدامه الصواريخ والضربات الجوية ضد المدنيين، وها هو اليوم يدخل الأسلحة الكيماوية ببطء وهدوء! أخطأ أوباما بتحديده استخدام الأسلحة الكيماوية كـ"خط أحمر"، كما لو أن قتل المدنيين المتعمد على هذا النطاق الواسع قد يمر مرور الكرام، ولكن عندما استعمل النظام الأسلحة الكيماوية، زاد أوباما الطين بلة، مضيفاً صفتَين إلى إدانته النظام: أعلن أن استخدام الأسلحة الكيماوية "المنظم" ضد "مدنيين" لن يكون مقبولاً. ولكن ما الرسالة التي قد يقرؤها الأسد وجنرالاته في القصر الرئاسي في دمشق؟ ألا مشكلة في استخدام الأسلحة الكيماوية أحياناً أو حتى الاستخدام المنظم لهذه الأسلحة ضد الجيش السوري الحر غير المنظم. نتيجة لذلك، ذكر السيناتور جون ماكين أخيراً أن خطوط أوباما الحمراء تبدو كما لو أنها مرسومة "بحبر خفي"، ولا شك أن طهران وموسكو وبكين سمعت هذه الرسالة بوضوح.

ربما لا تحتل سورية مكانة بارزة في أجندة أوباما خلال ولايته الثانية، إلا أن طريقة تفاعله مع هذا التصعيد الجديد سينعكس على سياسة الولايات المتحدة خارج بلاد الشام أيضاً، فلا شك أن رفض التدخل في سورية، حيث يموت المدنيون في اعتداءات كيماوية، سيسيء إلى الولايات المتحدة خلال عهد أوباما، تماما كما أضرها التدخل غير المدروس في العراق خلال عهد جورج بوش الابن.

* فيصل اليافعي | Faisal Al Yafai