ارتكاب الخطأ يصبح عند البعض حقٌّ مكتسب،

Ad

يخطئ أحدهم ويتجاوز الآخر عن خطئه محبة له،

ويكرر الأول الخطأ ويحاول الآخر إيجاد العذر له بدافع الحب،

ويستمر مسلسل ارتكاب الأخطاء حتى وإن تم تنبيه المخطئ، ويستمر أيضا التجاوز من قبل الآخر عن الخطأ تارة، وإيجاد العذر للمخطئ تارة أخرى،

إلى أن تأتي اللحظة الحارقة، ويحاول المساء إليه وضع حدّ لهذه الإساءة التي أصبحت طبعاً متأصلاً في ذات المسيء.

يرى المتضرر في هذه اللحظة أنه استنفد كل السبل لإيقاف الخطأ المتعمد ضده، غفر مرة، وعذر مرة، وصبر في أخرى، ونبّه، واشتكى، وعاتب، وسمح، وصفح، ولام، وهدّد وغضب، وعاد، واستعاذ في مرات مشابهة، فعل ذلك كله إكراماً للمحبة التي يحملها في قلبه للآخر أحيانا، وأحيانا أخرى إكراما للعشرة بينهما، ولكن ارتكاب الخطأ ما زال مستمراً، فتأتي اللحظة الحارقة فتشعل النار في كل غصن غضّ ويانعٍ  بينهما.

يصبح الصدام المدوّي محطة لا مفر من الوقوف بها، وقد تكون هذه المحطة مفترق الطرق بينهما.

أكثر ما يتكئ عليه المخطئ في حجته ألما، منطقاً أعوج يلوم فيه من تحمّل أخطائه طوال عشرتهما، ويحمّله وِزْر النهاية وما آلت إليه الأمور بينهما فيقول:

«أنت لم تعد تحبني كما كنت في السابق، فعندما كنت تحبني كنت تجد لي العذر عند ارتكابي الخطأ، كنت تعفو، وتتجاوز، وتصفح، أما الآن ها أنت تضع أخطائي شماعة تعلّق عليها رغبتك المدفونة في الخلاص مني لأنك ببساطة لم تعد تحبني»!

هذا المنطق ليس غبياّ، إنما هو منطق خبيث فهو يحاول إصابة عصفورين معاً بحجر واحد، العصفور الأول قلب الأدوار بحيث يتحول المجني عليه إلى متّهم، والجاني إلى ضحية بريئة اكتشفت للتو وجه قاتلها!

أما العصفور الثاني فهو جعل محور المشكلة اختفاء الحب أو نقص مخزونه في قلب الآخر، وليس ارتكاب الأخطاء في حق من يحبه هو محور المشكلة، وذلك حتى يتمكن من الاحتفاظ «بحقه» في ممارسة تلك الأخطاء مستقبلا، فكلما تذمّر الآخر من الوضع أظهر في وجهه «فزاعة» نفاد الحب تلك!

صدقاً... هناك من يعتبر حقه في ارتكاب الخطأ دليلاً على محبة الآخر له، فطالما هو مسموح له في الإساءة في حق من يحبه، فهذا في نظره مؤشر على أن الآخر مازال قلبه عامرا بالحب تجاهه!

هذا الحق يصبح حقا مكتسبا مع استمرار الآخر بالسماح له بتكراره أيّا كان الدافع، ويصبح  هذا «الحق» دائما مقياسا لوجود السبب الذي سمح بتكراره أول مرة إن كان حبّا أو سواه.

ابتزازٌ للمشاعر صريح ومفضوح... هذا أقل ما توصف به المطالبة بهذا الحق، واستغلال مشين للقلوب المحبّة.

قِفُوا في وجه تكرار أخطاء من تحبّون حتى وإن أدّى ذلك لفقدانهم، لأنكم إن لم تفعلوا ذلك مبكرا، سيأتي اليوم الذي لن تستطيعوا وقف نزيف قلوبكم، وإن استطعتم سيكون ذلك مكلفا جدا وباهظ الثمن أكثر من أي لحظة مضت، فالخطأ عند  استمرار ارتكابه يتحوّل إلى خطيئة.