ريشاني: العالم بحاجة إلى حلول غير مسبوقة لمواجهة الأزمة

نشر في 14-01-2013
آخر تحديث 14-01-2013 | 00:01
No Image Caption
• «الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة وحتى الآن لم نخرج من نفق الأزمة»
• خلال ندوة «الوطني» عن توجهات الأسواق العالمية عام 2013
أقام بنك الكويت الوطني أمس ندوته السنوية المخصصة لعملاء مجموعة الخدمات المصرفية للشركات بعنوان "توجهات الأسواق العالمية عام 2013" استعرض فيها النمو الاقتصادي الضعيف في أميركا ومخاطر ركود الاقتصاد في بريطانيا، فضلاً عن معاناة الاقتصاد الأوروبي والنمو البطيء في الدول النامية.

أكد رئيس مجموعة الاستثمارات والخزينة في بنك الكويت الوطني جورج ريشاني أنه لا يوجد فرق كبير بين السياسة والاقتصاد، حيث انهما امتزجا بشكل لافت ليصبحا وجهين لعملة واحدة، لافتاً الى ان الاخطاء في السياسات قد تؤدي الى ركود في العالم المتقدم، خصوصاً أن إجراءات التقشف هناك قد تخفف احتمال النمو في عديد من الدول المدينة التي تحتاج الى نمو لمعالجة مشاكل ديونها.

جاء كلام ريشاني أمس خلال الندوة الاستثمارية السنوية التي نظمها بنك الكويت الوطني، والمخصصة لعملاء مجموعة الخدمات المصرفية للشركات بعنوان "توجهات الأسواق العالمية في العام 2013" في فندق الشيراتون، بحضور عدد كبير من مديري الشركات من عملاء البنك الوطني.

وشرح ريشاني التحديات التي تواجه مستقبل الاسواق العالمية هذا العام في ظل هذه الاوقات غير المسبوقة والمتغيرة، مبيناً أن التحديات الحالية التي تواجه الاسواق العالمية مختلفة ومتشابكة، وتنقل بين العناوين الرئيسية التي طغت على العام الماضي، موضحا كيف أن بعضها كان امتداداً لعناوين عام 2011 بينما كان بعضها الآخر امتدادا لبدايات الأزمة العالمية عام 2008.

تحديات

وقال ريشاني انه بعد تدهور أسواق الائتمان لم يبق سوى حل واحد طويل الامد وهو تحويل سنوات الانفاق الى سنوات شد الاحزمة في الدول المدينة عن طريق استخدام اجراءات تقشف وبرامج إصلاحية طويلة الأجل مع تحمل آلام هذه البرامج والاجراءات.

وأضاف أن "المشكلة التي يعانيها صناع السياسة هو أنه لا يوجد حل سحري اليوم، فويل ان شدّوا الاحزمة وويل ان استمروا في الانفاق عند مستوياته الحالية، لأن في الاول إضعافاً للنمو الاقتصادي على المدى القصير، وفي الثاني إضعاف للميزانيات المدينة لهذه الدول"، معتبراً أن الحلول صعبة وأن المشاكل التي يواجهها العالم الغربي ليست مشاكل دورة اقتصادية عادية بل هي نتيجة مشاكل بنيوية أساسية طويلة الأجل.

وأشار إلى أن المشاكل السياسية وحالة عدم اليقين القائمة اليوم في الكثير من الدول قد تؤدي إلى استمرار الوضع على ما هو عليه لمدة غير قصيرة. وقد يكون للجمود السياسي في الدول الغربية، كأوروبا والولايات المتحدة، ولسياسات الحلول المجتزأة والمؤقتة أثرها في تأجيل الازمات المالية الضاغطة، وربما قد تكون انقذت العالم من احتمالات الكساد ولكنها أجلت أيضاً الألم المحتوم المصاحب لأي عملية تصحيح جدية للأوضاع الاقتصادية في هذه الدول، مبيناً أن الحلول والاجراءات المستخدمة في السياسات النقدية والمالية هناك هي اجراءات وقتية، وقد تحتاج هذه الدول الى عوامل مساعدة ومنشطة أكبر مما هو موجود لإعادة المسار الاقتصادي فيها الى طبيعته.

أزمة غير مسبوقة

وأوضح ريشاني أن الحلول والإصلاحات الطويلة الاجل رغم ما تحمله من تضحيات وآلام في المدى القصير، تحتاج إلى إرادة ومقدرة سياسية، بالإضافة إلى بعد نظر وضرورة تخلي المسؤولين عن المصالح الانتخابية الضيقة، لافتاً إلى حاجة العالم اليوم الى حلول غير مسبوقة لمواجهة الازمة غير المسبوقة التي يواجهها العالم الغربي. وأضاف أنه بالرغم من الاجراءات الكبيرة التي تم اتخاذها في أوروبا في العام الماضي وبرغم تفادي الاتحاد الاوروبي ازمة كبيرة كادت تداهمه على أعتاب بداية 2012 وتفادي منطقة اليورو خطر التفكك، فإن المخاطر في أوروبا لم تنته بعد والدول الاوروبية لم تخرج تماماً من النفق المظلم.

وشدد على انه لابد من ايجاد الحلول الجذرية لجوهر المشاكل في أوروبا مثل تباين مستوى الانتاجية والتنافسية بين دول أوروبا الاساس ودول الأطراف في الجنوب، موضحاً ان إجراءات التقشف وحدها لا تكفي وتعاني من محدودية تأثيرها في المدى الطويل بالرغم من ضرورتها، إذ إنها قد تعرض هذه الدول الى المزيد من الضعف الاقتصادي في المدى القصير، وما لم يحدد الاوروبيون طبيعة المشاكل التي يواجهونها ويجدوا الحلول لها، فإنه من غير المجدي تأجيل المحتوم من الامور.

وقال إن تكلفة الخروج من أوروبا كبيرة جداً للدول التي ترغب بالخروج، لكنه حذّر أيضاً من ان المزيد من التجاذب السياسي بين الدول الاوروبية وتنامي مستوى الاتهامات المتبادلة قد يبدد وقتاً ثميناً تحتاجه أوروبا للخروج من نفقها المظلم. ومن هذا المنطلق، لم يستبعد ريشاني استمرار حالة عدم الاستقرار في أوروبا.

نمو الاقتصاد الأميركي

وعن الولايات المتحدة، قال ريشاني إن هناك تحسناً قليلاً في ارقام النمو الاقتصادي في الاشهر القليلة الماضية، مبيناً ان أسواق الاسهم في الولايات المتحدة قد حققت أداء حسناً العام الماضي، لكن في المقابل هناك أمور جوهرية في بنية الاقتصاد تبقى دون حلول، ومنها مستوى الدين العام المرتفع والكميات الهائلة للمطلوبات الحكومية غير الممولة مثل الرعاية الاجتماعية والصحية، وتقلص قطاع انتاج السلع وزيادة الانشقاق السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين الى حد المناطحة غير المجدية، بالإضافة الى القنبلة الموقوتة بالنسبة للتغيير الديموغرافي الكبير مع دخول اعداد هائلة من مولودي طفرة ما بعد الحرب العالمية الثانية الى عمر التقاعد خلال العقدين القادمين.

وبالرغم من هذا، يستبعد ريشاني ان تخسر الولايات المتحدة موقعها كملاذ آمن مع استمرار تربع الدولار الاميركي على عرش عملة العالم الاحتياطية، وذلك لعمق ومرونة هذه الاسواق وتمتعها بقوانين تحمي الاتفاقات والعقود المبرمة، مع ان هذه الميزة قد تأثرت نسبياً العام الماضي بالتناطح العقيم للسياسيين حول الميزانية.

وأوضح ان الولايات المتحدة تقترض حوالي 40 سنتاً لكل دولار تنفقه، بينما تقوم بجني 60 سنتاً من الضرائب، والاسوأ من ذلك كله ان قيمة الاستدانة هذه تساوي كمية الانفاق الاختياري بما فيها الانفاق العسكري. وشكك في قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار على هذا النمط في المدى الطويل ما لم يتم ايجاد حلول جذرية لذلك، إذ قد تستيقظ الاسواق يوماً ما لمعاقبة الحكومة الاميركية بسبب ديونها المتراكمة وتضغط على الدولار برغم مركزه المميز كما قد يمتنع المستثمرون عن تمويل هذه الديون ما لم تحمل اسعار فائدة اعلى، مشيراً إلى ان الدولار سيستمر في الاستفادة على المدى القريب من استمرار الأزمة الأوروبية.

سياسات تشجيع

ولفت ريشاني الى ان الحلول تكمن في سياسات تشجع الدول الغربية في اوروبا والولايات المتحدة على الادخار مقابل تشجيع الدول النامية على الانفاق، موضحاً أن التغيير في القيادة الصينية مؤخراً قد يؤدي الى اتخاذ اجراءات تصب في هذا الاتجاه وتشجع على استبدال الاعتماد على الاستثمارات الخارجية والصادرات بالاعتماد أكثر على الانفاق الفردي.

وأوضح أن الطلب على الدولار يزداد كلما زادت موجات تجنب المخاطر وارتفع منسوب الخوف، ويقل الطلب عليه كلما زاد ركوب المخاطر، متوقعا ان يستمر العمل بهذا النموذج هذا العام أيضاً برغم وجود مؤشرات مبكرة منذ التقلب الحاد في المزاج الاستثماري الذي شهدناه العام الماضي.

السياسات النقدية

وعن السياسات النقدية في العالم، قال ريشاني ان اسعار الفائدة في العالم ستبقى منخفضة لفترة طويلة قادمة، وذلك لغياب مخاطر التضخم اليوم ووجود مخاطر الركود الاقتصادي، ولتعهد معظم البنوك المركزية ببقاء اسعار الفائدة متدنية، خاصة مجلس الاحتياط الفدرالي، حيث أشارت إلى عدم رفع أسعار الفائدة ما لم ينخفض معدل البطالة الى 6.5%، وعدم ارتفاع معدل التضخم المتوقع لعام أو عامين ما فوق 2.5%.

وبيَّن ان أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الاجل في الولايات المتحدة قد هبطت إلى ما دون الصفر وذلك في محاولة من السلطات النقدية لزيادة الطلب على الاصول الاخرى ذات المخاطر كالأسهم والسندات ولتخفيف العبء عن الحكومة لسداد هذه الديون. ولفت الى ان سياسة تخفيض أسعار الفائدة لم تنفع، ولذلك تبنت معظم البنوك المركزية الكبيرة سياسات نقدية غير اعتيادية ومنها سياسات التسهيل الكمي والتي في حقيقتها لا تتعدى كونها عملية طبع غير محدودة للنقود، مما ساعد على سبيل المثال مجلس الاحتياط الفدرالي على شراء سندات الخزينة لتمويل جزء غير بسيط من ديون الحكومة من دون اية تكلفة، حيث يقوم مجلس الاحتياط بإعادة تسليم الفوائد المستحقة على السندات الحكومية التي يقوم بشرائها من خلال برنامج التسهيل الكمي الى الخزينة الاميركية، ما يعني ان الخزينة الاميركية تقترض من دون دفع فائدة على ديونها.

وحذر ريشاني من انه لا يوجد في عالم المال والاستثمار "وجبة غذاء مجانية"، مؤكداً ان هناك جهة ما في مكان ما وفي وقت ما ستتحمل فاتورة هذه الوجبة الغذائية الدسمة وأن هذه التكلفة ستكون على شكل ارتفاع مخاطر التضخم في السنوات المقبلة، موضحاً ان كل المؤشرات اليوم تشير الى غياب هذه المخاطر على الاقل في المدى القصير، كما لاحظ انه رغم التأثير الايجابي المباشر لبرامج التسهيل الكمي على أسعار الاصول الخطرة كالاسهم والسندات غير الحكومية فإن تأثيرها قد انخفض وقد ينخفض أكثر في المستقبل، مبيناً عدم تأثير هذه البرامج حتى هذه اللحظة على الاقتصاد الفعلي، عازياً ذلك الى تقليص حجم المديونية بالقطاع الخاص من جهة، وعدم تفريط البنوك في مستوى السيولة ومعدل الاحتياطات لديها، وبالتالي عدم إقراضها بالشكل المطلوب من جهة أخرى وتردد المقترضين، مشبها ذلك بقدرتنا على اخذ الحصان إلى الماء لكننا لا نستطيع اجباره على الشرب.

وأوضح ان الاجراءات الجديدة المنوي تطبيقها في الاعوام القليلة المقبلة في ما يخص اتفاقية "بازل 3" وتبعاتها على البنوك ودفعها إلى قليص مديونيتها، لا تساعد كثيرا البنوك.

الآفاق المستقبلية

بالنسبة للتوقعات، ذهب ريشاني إلى اننا لم نخرج من النفق بعد وان هناك ضرورة لبعض الألم الاقتصادي في المدى القصير قبل ان تتحسن الاوضاع بشكل مستدام، فديون الماضي يجب ان تدفع وهذا قد يأخذ وقتاً غير قصير وقد يعوق التعافي الاقتصادي، متوقعا الا يتجاوز النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة 2% وفي اوروبا 1%، هذا ان لم ندخل في الركود الاقتصادي هناك.

وبيَّن ان التضخم هو اولاً واخيراً ظاهرة تعتمد على تضخم الاجور، لافتاً إلى أن ذلك غير موجود الآن في الولايات المتحدة، فعندما ترتفع الأجور والمداخيل بأقل من معدلات التضخم يضطر المستهلكون الى خفض انفاقاتهم الاختيارية وهذا ما هو حاصل الآن هناك. وأضاف ان الوضع الاقتصادي العالمي الجديد يعني قبول المستثمر اليوم عوائد أقل، وضرورة الاهتمام بالحفاظ على رأس المال اكثر منه بحجم العائد، كما يعني نموا اقتصادياً عالمياً اضعف، والمزيد من حالة عدم اليقين وتحول القوة الاقتصادية تدريجياً من الغرب الى الشرق وزيادة في القوانين في الاسواق المالية. وقال انه برغم تخفيض البنوك المركزية العالمية من احتمالات حدوث الكساد الاقتصادي في المدى القصير، إلا أن السياسات النقدية غير التقليدية هذه تحمل في طياتها مخاطر كبيرة في المدى الطويل، فعلى سبيل المثال لا توجد خيارات عديدة لدى مجلس الاحتياط الفدرالي لعكس هذه السياسة عند الحاجة سوى رفع أسعار الفائدة. وذكر ريشاني أن هناك نمواً اقتصادياً ضعيفاً في الولايات المتحدة كما توقع ان تعاني المملكة المتحدة من مخاطر الركود الاقتصادي مرة أخرى، الى جانب معاناة اقتصادية في أوروبا ومشاكل في اليابان ونمو بطيء في الدول النامية. أما بالنسبة للدولار فهذا يعتمد بشكل كبير على الأحداث في أوروبا، فإذا هدأت الأوضاع الاقتصادية هناك، فقد يتعرض سعر صرف الدولار لضغوط للانخفاض، لكنه أوضح ان ذلك امر مستبعد اليوم متوقعا استمرار استفادة الدولار من وضعه كملاذ آمن.

وتوقع ريشاني استمرار انخفاض أسعار الفائدة على الدولار الأميركي للفترة المقبلة، لكنه حذر من مخاطر الأخطاء في السياسة النقدية، ولذلك توقع ان تكون الفترة المقبلة غير مستقرة كما كان الوضع عليه العام الماضي، داعياً المستثمرين الى ضرورة الحفاظ على ثرواتهم بدل البحث عن أساليب لرفع العائد على اموالهم بالدخول في استثمارات غير مضمونة، فعودة راس المال أهم من عائد رأس المال، موضحاً ان الاصول الحقيقية قد تجد مكاناً لها في محافظ المستثمرين ومنها العقار.   

الأزمة الأوروبية

رأى ريشاني ان احد اهم أسباب تأسيس منطقة اليورو هو الاتحاد الاقتصادي، ومع ذلك لم يتحقق شيء من هذا القبيل حتى بعد مضي أكثر من 13 عاما على وجود منطقة اليورو، بل على العكس من ذلك، ازدادت الهوة الاقتصادية خلال هذه الفترة بين دول أوروبا، ما أظهر بشكل فاضح أهم عيوب هذه المنطقة.

وبيَّن ريشاني أنه من غير الممكن أن يكون هناك اتحاد نقدي من دون وجود اتحاد مالي واقتصادي ومصرفي، مضيفاً «اننا كلنا نعرف حب الأوروبيين للجدال، لكن الأزمة أظهرت ان إضاعة الوقت الثمين اليوم على جدل لا يجدي قد يكون من الخطورة بمكان، ويجب تجنبه حتى لا يفرط العقد الأوروبي دولة بعد أخرى».

 وأكد ان المانيا وصناع السياسة فيها وعلى رأسهم ميركل قد تجد في الضعف الأوروبي اليوم فرصة ذهبية لزيادة نفوذها سياسياً واقتصادياً في قلب اوروبا، وقد يطغى الفكر الاقتصادي الألماني على بقية اوروبا في المستقبل، لافتاً إلى أن ما لم تحققه المانيا خلال حربين عالميتين اثنتين في الماضي قد تحققه اليوم بدون اي حرب.

back to top