عندما يصل الإفلاس بنظام بشار الأسد إلى حد إجبار فتيات ونساء سوريات، إحداهن في الثالثة عشرة من عمرها، على الاعتراف وعلى شاشة التلفزيون الرسمي، وفي مسلسل استمر أياماً عدة بممارسة ما يُدعى "نكاح الجهاد" فإنّ هذا هو ذروة الانحطاط الأخلاقي والقيمي، وهو ذروة الإفلاس العسكري والسياسي، إذ هل هناك أكثر بشاعة من أن يلجأ نظام، فجَّر رؤوس شعبه ومعهم رؤوس العرب كلهم بصخب الشعارات المدوية: "أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة"، إلى هذا الأسلوب الخسيس والدنيء والمقزز، وبطريقة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها وقحة؟!

Ad

ولعل ما يشير إلى أيِّ وضع وصل إليه هذا النظام من انهيار نفسي وأخلاقي أنه ثبت أن هؤلاء النسوة، ومن بينهن متزوجات منذ سنوات وفتيات قاصرات اللواتي ظهرن في مسلسل العار الذي بثه التلفزيون الرسمي في حلقات متتالية ولعدة أيام، قد أُجبرن تحت الضغط والإكراه على الاعتراف أمام عدسات كاميرات التصوير بأنهن قمن بممارسة "نكاح الجهاد" للترفيه عن مقاتلي المعارضة... والمعروف أن زنازين صاحب "الرسالة الخالدة" مشهورة بانتزاع مثل هذه الاعترافات بالقوة، وهناك روايات كثيرة تؤكد هذه الأساليب اللاأخلاقية، تحدث عنها حتى بعض كبار القياديين في حزب البعث من الذين ناهضوا ما يسمى "الحركة التصحيحية".

هل يعقل أن يقبل مسؤول فيه شهامة الرجال وتهمه كرامة شعب عظيم وأصيل هو الشعب السوري بأن يُظهِر التلفزيون الرسمي الحكومي طفلة في الثالثة عشرة من عمرها لتقول تحت الضغط والتهديد، وبوجه مكشوف، إنها "أميرة" في جبهة النصرة، وإنها قائدة كتيبة في هذه الجبهة، وتُجبر على الاعتراف وبوجه مكشوف أيضاً بأنها قامت بالترفيه عن مقاتلي جبهتها... هل يعقل هذا؟ ثم ألا يوجد في هذا النظام رجل ينتفض لكرامة شعبه ويثور على هذا الواقع المعيب حتى وإن هو عوقب بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى في إحدى ساحات دمشق العامة...؟

ويقيناً إنه لو رُويت لي هذه القصص مشافهة أو مكتوبة لما صدقتها ولأقسمت بكل مقدس أنها "مفبركة" بقصد تشويه هذا النظام، وعلى غرار ما يفعله هو لتشويه معارضيه، أما أن تأتي هذه الفضائح في مسلسل بثه التلفزيون الرسمي ولأيام عدة فإنه يجعلنا نحكم فوراً وبدون أن يرف لنا جفن بأن هذا سقوط أخلاقي، خاصة أن تقديرات كل الذين شاهدوا مسلسل العار هذا أن اعترافات هؤلاء النسوة قد انتزعت انتزاعاً، وأن القصد هو الضغط على آبائهن وأزواجهن وإخوتهن العاملين في صفوف المعارضة لتسليم أنفسهم، والاعتراف على زملائهم الذين اضطروا لحمل السلاح في أعقاب حادثة أطفال درعا المعروفة في مارس 2011، التي أطلقت شرارة هذه الثورة التي لم يعرف العرب مثلها ثورة.

إن هذا ما أصبحت عليه الأوضاع في سورية... والسؤال هنا هو كيف من الممكن أن يقبل أي مسؤول سوري أن يجلس في المساء إلى جانب زوجته وبين أطفاله، ويتابع اعترافات هذه الطفلة التي حُشِرت حشراً في شاشة التلفزيون الرسمي لتقول إنها "أميرة" في جبهة النصرة وإنها "قائدة" في إحدى الكتائب المقاتلة التابعة لهذه الجبهة... هل هناك عيب وعار أكثر من هذا العيب والعار... وهل هناك سقوط أخلاقي أكثر من هذا السقوط؟!

وإزاء هذا وأكثر منه كثيراً فإن العديد من المنظمات الدولية المعنية قد اتهمت النظام السوري بأنه يلجأ إلى استغلال المعتقلين لانتزاع اعترافات منهم بالقوة... وحقيقة إن مشاهدة لقطات من هذا المسلسل المعيب نفسياً وأخلاقياً وسياسياً واجتماعياً تدل على أن كل هذا هو من "فبركات" الأجهزة الأمنية صاحبة الشهرة العالمية في هذا المجال، وأن البعض الآخر تحت ضغط جسدي ونفسي لا يتحمله أعتى الرجال فكيف الأمر بالنسبة لطفلة صغيرة أُرغمت إرغاماً على الاعتراف بأنها "أميرة" في جبهة النصرة، وأنها قائدة كتيبة مقاتلة في هذه الجبهة... فهل يعقل هذا؟... هل من الممكن توقُّع أن يصل الانحطاط إلى هذا المستوى المرعب؟!