كشفت الموجة الثانية للثورة المصرية يوم 30 يونيو، وما ترتب عليها من تداعيات، عن أن حديث القوى والعناصر والتيارات الإسلامية النشطة في عموم المنطقة العربية عن الديمقراطية والحرية والمدنية وحقوق الإنسان ليس سوى كلام إنشائي مرسل لا قيمة له، حيث أثبت الواقع أن الديمقراطية من وجهة نظرهم هي مجرد سلّم للوصول إلى السلطة واحتكارها، ثم التنكر بعد ذلك لهذه الوسيلة "الصندوق"؛ لأن الغاية هنا تبرر الوسيلة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "صندوقراطية" وليس ديمقراطية!

Ad

لهذا السبب فقد كان حديث "الصندوقراطيون" المستمر بعد سقوط نظام حكم "الإخوان" في مصر عن شرعية الصندوق فقط مع عدم التطرق إلى ما قام به النظام السياسي بعد ذلك من ممارسات وأعمال غير مشروعة أفقدته شرعيته السياسية والشعبية التي منحها إياه الصندوق، وجعلت الشعب يثور عليه، ثم تصل الأمور إلى ما وصلت إليه من تعقيدات سياسية.

أضف إلى ذلك أن الخطاب المدافع بحماس منقطع النظير عن نظام حكم "الإخوان" في مصر ليس خطاباً حول الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة، بل إنه خطاب ديني متطرف يعتبر من يقف ضد الرئيس المعزول كافراً لأنه يقف ضد الإسلام!

لهذا، فلا عجب أن من أبرز المدافعين عنه أشخاصاً طائفيين لهم مواقف سيئة للغاية من قيم المواطنة المتساوية والديمقراطية والمدنية والحريات العامة والشخصية، كالقرضاوي ووجدي غنيم وبعض "الدعاة والمشايخ"، خصوصاً محبي الأضواء الإعلامية سواء في الكويت أو في بعض الدول العربية والإسلامية.

وإذا كان من المعروف أن القوى "الإسلامية" المتطرفة كتنظيم "القاعدة" وبعض القوى الجهادية تعلن صراحة أنها ترفض الديمقراطية جملة وتفصيلاً وتعتبرها كفراً بواحاً، ومن المعروف أيضاً أن التيارات السلفية تعلن صراحة أنها تحاول أن تستخدم الوسائل والإجراءات التي توفرها الأنظمة الديمقراطية من أجل الانقلاب على الديمقراطية ذاتها، فإنه كان من المتوقع أن يكون هنالك موقف معتدل من قِبل من يطرحون أنفسهم على أنهم قوى إسلامية معتدلة، أو من يدّعون أنهم قوى "مدنية" مرجعيتها إسلامية، بحيث يقومون بمناقشة أصحاب الآراء الأخرى بطريقة ديمقراطية "خارج الصندوق" يكون فيها الانحياز واضحاً لمطالب الشعوب في الكرامة والديمقراطية والحرية وبناء وطن ديمقراطي يتسع للجميع، ولكن مع الأسف فإن العكس هو الذي حصل وما زال يحصل، فلم نعد نميّز بين متطرف ومعتدل، فكل منهم يتحدث- وإن اختلفت المفردات أو اسم التنظيم الحزبي الذي ينتمي إليه- عن أن ما جرى ويجري في مصر ما هو إلا "حرب بين الإسلام والكفار"!

لهذا نسمعهم يتحدثون عن "إعلان النفير العام للجهاد في سبيل الله" و"الشهادة" و"الخلافة الإسلامية" وغزوات القرن الأول للهجرة، ثم التحريض على العنف والكراهية على الرغم من أن القضية ليست سوى صراع سياسي محتدم بعد ثورة شعبية عظيمة حول قواعد الحكم الديمقراطي الجديد التي يجب ألا ينفرد أي فصيل سياسي بتحديدها، وذلك من أجل بناء وطن ديمقراطي يتعايش فيه الجميع ويتصارعون سلمياً.

أما بالنسبة إلى الذين يظنون خطأً وبحسن نية أن الديمقراطية ليست سوى صندوق اقتراع فقط، فقد لخّص الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي على حسابه في "تويتر" قبل أيام الرد عليهم كالتالي:

"كم أصبح مملاً حديث الصناديق، الديمقراطية "تولد" من الصندوق لكنها لا "تدفن" فيه... نقطة".