حين قرأت التساؤل التهكمي في مقالٍ للأستاذ فخري شهاب بـ"القبس"، عن كارثة التعليم بالكويت والعالم العربي كما جاء بتلك الصيغة المتحدية... "ماذا ستصدر جيوش الكسالى من خريجي الجامعات العربية إلى بلد مثل الصين أو الولايات المتحدة لسداد أثمان مستورداتها؟" قفزت الإجابة مسرعة إلى رأسي "يمكن أن نصدر لهم السماد العضوي من مخلفاتنا البشرية طازجاً، أو معلباً بصهاريج من محطة مشرف للمجاري...! هذا بالنسبة للإنتاج المادي، أما الإنتاج الفكرى فيمكن أن نصدر لهم لوحات طبيعية رائعة عن سيدات وسادة كويتيين يسيرون بالمجمعات التجارية نحو مطاعم الفاست فود يصحبون أطفالهم بأجسادهم المستديرة التي يستوي فيها الطول بالعرض، وتنافس المؤخرات مقدمات الكروش في الامتدادات الأفقية، وخلفهم تهرول خادمة آسيوية رشيقة من الكد والعمل في خدمة أهل المنزل ورعاية الأطفال المستديرين".
يمكن أن نصدر لهم... مشاهد أخرى عن ملوك قيادة السيارات من الشباب الذين ملّكتهم الدولة الشارع العام، ومنحتهم امتيازات الغطرسة الكويتية، فسكنت عقولهم ثقافة الـ"جي تي" بدلاً من ثقافة الجدل والرفض والنقد... أمور كثيرة يمكن أن نصدرها كضباط وجنود جيوش الكسالى لأميركا والصين وألمانيا، غير النفط ومشتقاته، لكن حين نفكر قليلاً، ندرك أن حتى تلك القمامة المادية والفكرية التي يمكن أن نصدرها هي الأخرى من نتاج العصر النفطي وإبداعاته الريعية...مقال أستاذنا الكبير فخري شهاب، الذي "على ما أذكر" كان الصندوق الكويتي أو الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي نتيجة فكره وعمله المخلص اقتنع بهما المغفور له جابر الأحمد، وحققهما، كان المقال الثاني، عن أزمة التعليم، وعن أزمات كثيرة مثل التجنيس، قدم فيها الأستاذ فخري النصيحة الصادقة، لكن لم يجد غير آذان مشمعة من السلطة السياسية الحاكمة بأمر الله في ذلك الزمن وحتى اليوم، فخري لا يقدم اقتراحات للإصلاح التعليمي، وإنما يسأل ماذا فعلتم بذلك الكم من الدراسات والاقتراحات لتطوير التعليم، الذي هو حجر الأساس للتنمية الحقيقية وليس تنمية الدخل الفردي الناتج من مصادفة الطبيعة، لا بجهد إنساني مثلما تروج لهذا الريع دعائياً الوزيرة "الاقتصادية" رولا دشتي بعملها الدؤوب لتبييض وجه السلطة، ماذا فعلتم نحو الاستثمار في الإنسان وعقله؟ الإجابة لا شيء، وحين تدق ساعة الصفر بعد انتهاء النفط، فلن تجد أجيالنا ما يحيون به فليس هناك غير بقايا صهاريج مجاري محطة مشرف، وملفات دراسات عديدة بنت عليها العناكب بيوتها في أدراج كبار المسؤولين غير المسؤولين... لكم الله يا أبناء المجهول.لا يمكن اختتام آراء الأستاذ فخري شهاب دون الإشارة إلى ما كتبته الزميلة عواطف العلوي في جريدة الكويتية عدد الخميس، حين نقلت بجدارة انطباعات معلم أميركي عن واقع الحال الكويتي فهو يقرر "... أن الكويتيين يعتقدون أنهم مثل الأسود، بينما هم أي شيء عدا الأسود، فالنوم والأكل وممارسة الجنس... هو كل ما يفعلونه" مهما كانت هذه السخرية المرة من هذا الأميركي عن حالنا المائل في مجتمع "الطبقات النفطي" مؤذية لمشاعرنا ولكبريائنا الجوفاء، لكن التفكير فيها قليلاً ربما يشعرنا أن هناك خطأً كبيراً في حياتنا الاجتماعية، لعلها تحذرنا حين يدق جرس الأخطار عن التحديات التي تهز اقتصاديات العالم اليوم، والتي لا يمكن أن نواجهها بمثل تلك العقول والهمم الكسولة المتراخية... من المسؤول عن كل ذلك غير مصادفة النفط... لا يوجد هنا مسؤول، فمسؤولونا غير مسؤولين، كويتي اليوم غير مسؤول لأن السلطة غير مسؤولة، فمسؤوليتها هي مسؤولية إنفاق واستهلاك وسرقات ورشا... هي مسؤولية توزيع إبر الأفيون... أما المسؤولية نحو الغد .. فلا شيء عندها... كانت مفلسة فكراً وستظل مفلسة وعياً.
أخر كلام
مسؤوليتهم غير المسؤولة!
07-04-2013