في أعقاب هذا الانقلاب السريع بشأن الأسلحة الكيماوية في سورية، اعتُبر الرئيس متقلباً، ومتهوراً، وهاوياً في السياسة الخارجية. ولكن عندما نتأمل تصرفاته لا تصريحاته، نلاحظ أنها أكثر تماسكاً وانسجاماً مما قد نظن. إليكم بعض الأدلة.

Ad

في عام 2009، حين ثار الإيرانيون ضد الملالي في طهران، قدم أوباما "لثورتهم الخضراء" التي لم تدُم دعماً شفهياً. إلا أنه مضى قدماً في التفاوض مع حكومة طهران، لأنه سعى في المقام الأول إلى عقد صفقة بشأن برنامج إيران النووي. في عام 2011، عندما ثار المصريون، قدم لهم أوباما مرة أخرى دعماً شفهياً، حتى إنه حض الرئيس حسني مبارك على التنحي. لكنه لم يتخل عن علاقاته الجيدة مع الجيش المصري لأنه سعى في المقام الأول إلى الحفاظ على السلام مع إسرائيل.

في وقت لاحق من تلك السنة، عندما ثار السوريون، قدم أوباما مجدداً دعماً شفهياً للثوار وأعلن أن على بشار الأسد الرحيل. لكنه تردد في إرسال مساعدة عسكرية إلى الثوار. وعقد أخيراً صفقة قد تساعد الأسد في البقاء في الحكم لأن أوباما سعى في المقام الأول إلى التخلص من الأسلحة الكيماوية.

ما القاسم المشترك بين هذه الحوادث كلها؟ يبدو أن تصريحات أوباما تتفوق على استعداده لاستخدام القوة. وهذه مشكلة بالتأكيد لأنها تؤدي إلى سوء فهم خطير.

لطالما تحدث أوباما مثل سفيرته إلى الأمم المتحدة، ساماتنا باور، التي تؤيد فكرة "التدخل الإنساني". إلا أنه كان في تصرفاته أقرب إلى برنت سكوكروفت، مستشار الرئيسين فورد وجورج بوش الأب، الذي انتقد غزو العراق عام 2003 وحذر من الالتزامات غير الضرورية في الخارج.

لربما يحب أوباما فكرة الترويج للديمقراطية، إلا أن أولويته الأبرز تبقى الحد من التزامات الولايات المتحدة في العالم، خصوصاً في الشرق الأوسط. لذلك لم يقُم بأعمال عسكرية كبيرة إلا إن كانت تخدم مصالح الأمن القومي التقليدية، مثل التصدي لتنظيم "القاعدة".

ثمة استثناء واحد شذ عن هذه القاعدة: حرب ليبيا عام 2011، حين انضمت الولايات المتحدة إلى ائتلاف دولي للإطاحة بمعمر القذافي. في تلك الحالة، كانت قوات القذافي ضعيفة، فضلاً عن أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وافق صراحة على هذه الخطوة. ووعدت بريطانيا وفرنسا بأن تتوليا القيادة.

ولكن اتضح أن هذا العمل أصعب مما بدا عليه في البداية. واضطُرت الولايات المتحدة إلى تحمل عبء أكبر مما أراده أوباما. وبعد مرور سنة، كان هذا البلد لا يزال غارقا في الفوضى، وقتل الإرهابيون السفير الأميركي في بنغازي. نتيجة لذلك، أدت هذه التجربة إلى تعزيز شكوك أوباما حيال التدخل العسكري.

منذ ذلك الحين، بات الرئيس يصر على رفض أي التزامات عسكرية جديدة في الخارج، إلا أن خطابه ظل طموحاً ومثالياً. فتحولت هذه الفجوة في المسألة السورية إلى شرك بناه أوباما لنفسه.

تجاهل الرئيس أوباما الانتقادات التي وُجهت لانقلابه المفاجئ بشأن سورية (قال إنه سيأمر بتوجيه ضربة، ثم أعلن أنه سيطلب موافقة الكونغرس ليلجأ بعد ذلك إلى الدبلوماسية)، معتبراً إياها "مسألة أسلوب". ذكر الرئيس في مقابلة مع محطة ABC News: "يحب الناس هنا في واشنطن قياس الأمور وفق الأسلوب. فلو أننا قدمنا سياسة متناسقة، مضبوطة، ومستقيمة لاعتبروها جيدة، حتى لو كانت بالغة السوء... لا أكترث بالأسلوب. أعلق أهمية أكبر على صوغ سياسة ناجحة".

لكن هذه المسألة لا تقتصر على الأسلوب. فتقلب أوباما المستمر يصعب على الجميع، الحلفاء والخصوم على حد سواء، معرفة ما سيقوم به تالياً.

يُعتبر هذا الوضع في معظم الحالات عيباً كبيراً في السياسة الخارجية لأنه يزعزع ثقة الحلفاء ويسهل على الخصوم إساءة فهم نوايانا.

يوضح مايكل ماندلبوم، باحث في مجال السياسة الخارجية في جامعة جونز هوبكنز: "يجد أوباما نفسه عالقاً بين خطابه عن القيادة الأميركية، خطاب ملزم في الجزء الأكبر من مؤسسة السياسة الخارجية، وواقع ما يبدو الشعب الأميركي مستعداً لدفعه".

لم ينجح أوباما حتى اليوم في التوفيق بين وجهَي سياسته من أجل الناخبين الأميركيين وغيرهم، وخصوصاً حكام إيران الدينيين والثوار السوريين الذين خاب ظنهم.

لا شك في أن هذا الوضع يفسح في المجال أمام سوء فهم كبير. ففي حالة إيران مثلاً، يريد أوباما من الملالي أن يصدقوا أنهم، إن تجاوزوا "الخط الأحمر" بشأن بناء سلاح نووي، سيواجهون ضربة عسكرية أميركية، بخلاف الأسد الذي انتهك خط أوباما الأحمر بشأن الأسلحة الكيماوية ونجا من العقاب.

يؤكد الرئيس أن الاختلاف بين الحالتَين جلي. قال: "أعتقد أن الإيرانيين يدركون أن المسألة النووية أهم في نظرنا من مسألة الأسلحة الكيماوية. يجب ألا يستخلصوا... أننا لن نضرب إيران". بدلاً من ذلك، يذكر: "عليهم أن يتعلموا من هذا الدرس أن بإمكاننا حل هذه المسائل دبلوماسياً". لنأمل أن يتمكن الملالي من فهم هذه الرسالة جيداً.

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus