سيكتشف المتفائلون، جداً، بصفقة الأسلحة الكيماوية بين روسيا والولايات المتحدة، أو على وجه الدقة بين جون كيري وسيرغي لافروف أن الأمور أكثر تعقيداً مما يظنون، وأن كل ما جرى، كما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، مجرد خطوة غير مكتملة على طريق طويل، وهذا يعني أن على هؤلاء المتفائلين جداً ألا يسبحوا في شبر من الماء، وأن ينتظروا القادم الذي قد يكون أسوأ كثيراً من كل ما حصل!

Ad

ما هو هذا الانتصار الذي حققه نظام بشار الأسد بهذا الاتفاق الذي ألزمه أن يتخلى عن كل "مكابراته" السابقة، ويسارع هرولة إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، ويبدأ بخلع ملابسه قطعة بعد قطعة، بعد سنوات من المماطلة والتعنت والتمسك بشروط كانت تعتبر تعجيزية...؟!

إلى ما قبل أيام قليلة من جريمة الحادي والعشرين من أغسطس الماضي كان هذا النظام، على ألسنة عدد من كبار الناطقين باسمه، يصر على ربط تخليه عن أسلحته الكيماوية، إذ إن سورية هي الدولة السابعة في العالم التي لم تنضم إلى هيئة حظر هذه الأسلحة المحرمة، بتخلي إسرائيل عن أسلحتها الكيماوية والنووية. لكن ها هو يسارع هرولة للتخلي عن كل شيء، ويعلن انضمامه إلى هذه المعاهدة حتى قبل استكمال الشروط المطلوبة واستعداده لكل ما هو مطلوب منه في هذا المجال دون قيد أو شرط!

إذاً ما هو الانتصار الذي حققه بشار الأسد حتى يقيم مؤيدوه وأنصاره الأفراح والليالي الملاح، وكل هذا مع أن إقدامه على هذه الخطوة يشير إلى مدى الهلع الذي بات يعيشه بعد تلويح الأميركيين بضربتهم العسكرية التي غدت مؤجلة، ويشير أيضاً إلى أنه سيبقى يخلع ثيابه قطعة بعد أخرى، إلى أنْ يصبح "ربي كما خلقتني"، ومع ذلك، فإنه لن يَسْلم من محكمة الجنايات الدولية، وسيحاسب حساباً عسيراً على استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أطفال شعب من المفترض أنه شعبه، وسيتحول إلى مطارد ومطلوب على كل الجرائم التي ارتكبها نظامه على مدى الشهور الثلاثين الماضية؟

إن قلب الحقائق إلى ضدها عادة متأصلة في هذا النظام، فبعد هزيمة يونيو عام 1967 المنكرة، وكان "الراحل" حافظ الأسد يومها وزيراً للدفاع، اعتبرت تلك الهزيمة، التي لاتزال سورية ومعها الأمة العربية كلها تدفع ثمنها وستبقى تدفع ثمنها عقوداً طويلة، بمنزلة انتصار مؤزر والحجة أن النظام "الثوري والتقدمي"! الذي هو المستهدف وليس الأرض، قد بقي صامداً، ويا ليته لم يصمد كهذا الصمود، إذ بقيت هضبة الجولان ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي كل هذه العقود الطويلة.

لقد نفذ الطيران الإسرائيلي غارات وهمية فوق القصر الرئاسي بالقرب من اللاذقية دون أن يواجَه بأي مقاومة على الإطلاق، ودون أي اعتراف رسمي بهذا "العدوان الصهيوني الآثم"، ومن المعروف أن الإسرائيليين كانوا دمروا مشروع المفاعل النووي السوري عام 2007، وهاجموا قاعدة فلسطينية لـ"حماس" في عين الصاحب بالقرب من دمشق، وكانوا، أي الإسرائيليين، قبل بضعة أسابيع قد شنوا غارات مدمرة على أهداف عسكرية استراتيجية في جبل قاسيون وفي الحدود مع لبنان وفي الساحل السوري، على مستودعات صواريخ روسية، وكل هذا فإن كل ما قيل همساً في الدوائر الرسمية والحزبية والعسكرية أيضاً هو أن الطائرات الإسرائيلية "الجبانة" قد فرَّت هاربة وولَّت الأدبار لا تلوي على شيء.

ستبقى عمليات الـ"سترب تيز" السياسي والعسكري هذه مستمرة، وهذا النظام سيدفع الثمن غالياً، إنْ عاجلاً أو آجلاً، وكالعادة فإنه هو وأعوانه سيبقون يتحدثون عن انتصارات باهرة كانتصار سحب قوات الردع السورية عام 2004 من لبنان، خلال ساعات، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559.