السلطة القضائية والرقابة الشعبية
الحفاظ على هيبة السلطة القضائية ونزاهتها لا يتحقق بالكلام الإنشائي المرسل بل بوجود قضاء متطور ومستقل، ويمكن مخاصمته، وهذا لا يعني بأي حالة من الأحوال إضفاء هالة من القدسية على السلطة القضائية تجعل انتقادها وكأنه من المحرمات.
![د. بدر الديحاني](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1472378832591788600/1472378876000/1280x960.jpg)
أضف إلى ذلك، أن استقلال السلطة القضائية مالياً وإداريا عن الحكومة (اعتماد الميزانية، وتعيين القضاة وأعضاء النيابة والتحقيقات وترقيتهم، وتحديد سلم مرتباتهم، وآلية توليهم للمناصب القيادية) يزيد من ثقة الناس بالسلطة القضائية باعتبارها سلطة مستقلة عن الحكومة. من هذا المنطلق، فإن الحفاظ على هيبة السلطة القضائية ونزاهتها لا يتحقق بالكلام الإنشائي المرسل بل بوجود قضاء متطور ومستقل فعلاً ويمكن مخاصمته، وهذا لا يعني بأي حالة من الأحوال إضفاء هالة من القدسية على السلطة القضائية تجعل انتقادها وكأنه من المحرمات.فالقاضي بشر، والبشر ليسوا معصومين من الخطأ، فقد يرتكب القاضي خطأً غير مقصود، أو يتعمد الخطأ، أو يتعسف بالحكم... لذلك وجدت في دول العالم المتقدم آليات للطعن في الحكم، وأخرى لرد القاضي، أو مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة والتحقيقات من قبل المتهم، كما وجدت أيضاً درجات التقاضي المختلفة. وغني عن البيان أن السلطة القضائية حالها حال أي سلطة أخرى في الدولة ليست مستثناة من الرقابة الشعبية، فمن حق الأمة باعتبارها مصدر السلطات جميعاً مراقبة السلطة القضائية وانتقاد أحكامها ودراستها والتعليق عليها ومخاصمة أعضائها، مثلما حقهم في محاسبة أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية.كما أنه من حق الناس أيضاً المطالبة بإصلاح السلطة القضائية، وأن تكون مستقلة فعلاً بحيث لا تستطيع الحكومة، مهما حاولت، التأثير فيها أو استخدامها لأغراضها السياسية، كما هي الحال في الدول البوليسية والاستبدادية.وبالتأكيد، فإن هناك فرقاً شاسعاً بين انتقاد أحكام السلطة القضائية والتعليق عليها أو مخاصمة القضاة (لا يوجد لدينا حتى الآن قانون لمخاصمة القضاة) ونقض أحكامهم ضمن الأطر القانونية من جانب، وبين اتهام القضاة أو أعضاء النيابة والتحقيقات جزافاً بعدم النزاهة أو التحيز أو سبهم وقذفهم على الجانب الآخر... فالأول جائز أما الثاني فغير جائز ويعاقب عليه القانون.