تدخل المواجهات الدموية الطاحنة في سورية عامها الثالث، مخلفة وضعاً كارثياً جحيمياً، راح ضحيته سبعون ألف قتيل ومليون مهجر خارج البلاد و2.5 مليون نازح داخل البلاد، حسبما أعلنت الأمم المتحدة.
وأكدت منظمة "أطباء بلا حدود" أن الأوضاع الصحية متدهورة، فالمنشآت الصحية تتعرض للاستهداف والتدمير، وهناك نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية وسيارات الإسعاف، وأعلنت في تقريرها أن المساعدات المقدمة، التي يتم منع وصولها إلى الكثير من المناطق في البلاد، لا تفي بالاحتياجات.كما حذرت منظمة اليونيسيف من أن نقص المساعدات الدولية المالية سيعرض أكثر من مليوني طفل سوري للضياع. الكثير من هؤلاء الأطفال يتعرضون لمخاطر القتل وسوء التغذية ويعانون أحوالاً نفسية عصيبة نتيجة مشاهداتهم أو فقدهم أحد أفراد العائلة أو تشريدهم من بيوتهم. قبل عامين انطلقت من درعا الاحتجاجات السلمية ضد النظام الدكتاتوري، لتتحول الانتفاضة السلمية إلى التسليح بعد أشهر من مواجهات النظام الوحشي، واستخدامه الدبابات والطائرات المقاتلة والصواريخ، حين أُجبر المتظاهرون الذين يتعرضون للإبادة الجماعية على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم أمام أسلحة النظام الفتاكة.استفاد النظام الدموي من دخول التنظيمات الإسلامية المتطرفة المسلحة، كما ساعده التخاذل الدولي على الاستمرار في القتل والقمع، فدعم حلفاء النظام السوري كان دعماً مندفعاً وصلباً، من خلال استخدام روسيا والصين الفيتو ضد استصدار قرار أممي يدين النظام، وكذلك بتقديم إيران الدعم العسكري، بينما لا تحصل قوى المعارضة الشعبية على ذات الدعم والمساعدات من الدول الكبرى، بل تسبب تخاذلها في إطالة الحرب الأهلية، التي استغلتها عناصر متطرفة في تعزيز نفوذها، وبات النظام الوحشي يستخدمها كورقة رابحة. فالدول الكبرى امتنعت عن تسليح المعارضة خوفاً من وصول الأسلحة إلى أيدي عناصر تنتمي إلى القاعدة، إلا أن عدم دعمها للقوى المدنية جاء بنتيجة عكسية ليعزز تواجد الجماعات المتطرفة.إلا أن اليوم وبعد الوعي المتأخر بكارثية استمرار الوضع الحالي تتجه فرنسا وبريطانيا نحو تقديم الدعم العسكري للمجموعات غير المتطرفة، لمنع النظام المطمئن من الموقف الدولي المتخاذل من تحقيق انتصاره وسحقه الانتفاضة في حرب بقائه بأي ثمن.وقد صرح وزير الخارجية الفرنسي أخيراً، في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، بأن "مسألة رفع الحظر على الأسلحة تطرح نفسها أكثر فأكثر، لأن الخلل في التوازن واضح بين بشار الأسد، الذي يتزود بأسلحة قوية من إيران وروسيا، والائتلاف الوطني، الذي لا يملك مثل هذه الأسلحة... لا يمكننا قبول وجود مثل هذا الخلل في التوازن الذي يؤدي إلى قتل شعب بكامله".لن تحسم الأزمة الكارثية في سورية إلا بحسم الدعم العسكري الدولي للمعارضة الشعبية، وبتضافر الجهود وبذل مساع أكبر لزيادة المساعدات الإنسانية، وبإدارة حكومة المعارضة التي شكلت أخيراً لهذه الأزمة، من خلال توفير وتوصيل المساعدات والإمدادات الإنسانية... فعدم حسم تقديم الدعم اللازم للقوى المدنية، وإعادة الاعتبار لوزنها وفاعليتها في نضالها من أجل الحرية والعدالة سيبقي الشعب تحت قبضة النظام المتوحش، وسيعزز نفوذ ووقود الجماعات المتطرفة، التي تدخل في حروب التصفيات الطائفية مع الأقليات... لا يمكن الانتظار أكثر من ذلك، وإلا فستتحول سورية، كما يردد المحللون، إلى صومال أخرى.
أخر كلام
سورية... «إلى أين المسير في ظلمة الدرب العسير؟»
22-03-2013