تزامناً مع تفكك سورية... إسرائيل تستعد للفوضى!
إذا قررت إسرائيل أو الولايات المتحدة لاحقاً ضرب إيران، فلن تتمكن سورية من تقديم مساهمة مفيدة لدعم رد إيران وسيُحرَم «حزب الله» من قناة دعم مهمة تعيد تزويده بالإمدادات خلال المواجهة وبعدها.
صحيح أن إسقاط الأسد سيعني نتائج محبذة لإسرائيل بتمزيق محور إيران و"حزب الله" وإعاقته، لكن قادة إسرائيل يركزون على المخاطر الأمنية المحتملة نتيجة تدهور الوضع السوري، بما في ذلك انتشار الأسلحة الكيماوية والصواريخ وتمدد عنف الجهاديين عبر الحدود.مقارنةً بالدول المجاورة الأخرى لسورية، كانت إسرائيل أقل البلدان تأثراً بالاضطرابات التي تعصف في شمالها، ويمكن رصد الاقتتال بين النظام وقوات المعارضة انطلاقاً من هضاب الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل، لكن تبقى الحدود هادئة هناك وقد كانت حوادث إطلاق النار المعدودة تجاه إسرائيل في أواخر عام 2012 غير مقصودة على الأرجح. لكن إسرائيل ليست راضية عن الوضع بأي شكل، إذ تكشف ضربتها الجوية بالقرب من دمشق عن قلقها من انفجار المشهد السوري، لا سيما فيما يخص استعمال الأسلحة الاستراتيجية. على نطاق أوسع، تتوقع إسرائيل انتهاء الهدوء الذي دام حوالي 40 سنة على الحدود السورية فور سقوط الأسد أو حتى قبل ذلك.
من يسد الفراغ؟يشكك المسؤولون الإسرائيليون بقدرة الأسد على الاحتفاظ بالسلطة بعد هذه السنة، لكنهم يدركون أيضاً أن الحرب الأهلية قد تتابع استنزاف البلد حتى بعد سقوطه، صحيح أن الاضطرابات خفّضت الخطر التقليدي بخوض حرب مع الجيش السوري، ولكنها تسلط الضوء على خطر المواجهة مع لاعبين عدائيين من خارج إطار الدولة.على عكس الفكرة التقليدية الشائعة في المنطقة، لن تحزن إسرائيل على رحيل الأسد، فهو جزء أساسي من المحور المتطرف بين إيران و"حزب الله" وخصم شرس لإسرائيل؛ لذا سيكون سقوطه لطمة موجعة في وجه طهران، ما سيؤدي إلى إضعاف "حزب الله" وتفكيك قوات ذلك المحور الثلاثي (من المستبعد أن تسعى القوى التي يمكن أن تسيطر على سورية مستقبلاً إلى عقد تحالفات مع لاعبين كانوا قد ساعدوا الأسد على ذبح شعبه).في الوقت نفسه، تشعر إسرائيل بالقلق بشأن هوية القوى التي ستسد الفراغ بعد الأسد، فهي قلقة تحديداً من تنامي ثقل الإسلاميين في معسكر المعارضة، وارتفاع عدد المجاهدين الخارجيين، واستمرار جمود الغرب وتردده في دعم قوى المعارضة غير الإسلامية. في نهاية المطاف، قد تجد إسرائيل نفسها في وجه إسلاميين عدائيين في اثنين من أهم البلدان العربية المجاورة لها (مصر وسورية)، وقد يترافق هذا الواقع مع آثار إقليمية خطيرة.طوال فترة الأزمة السورية، لم تعلن إسرائيل أي مواقف صريحة تجاه الوضع القائم بعد أن أدركت أنها لا تستطيع التأثير بشكل حاسم في مسار الأحداث. ونظراً إلى انتشار المشاعر المعادية لإسرائيل في المنطقة، كان التعبير عن أي تعاطف مع الثوار سينسف فرصهم محلياً وإقليمياً.تراقب إسرائيل عن كثب تداعيات الصراع على الدول المجاورة الأخرى لسورية، ففي المقام الأول، هي تشعر بقلق شديد من أن تولّد تلك الاضطرابات فوضى خطيرة في الأردن.في ما يخص لبنان، تشعر إسرائيل بالسرور نظراً إلى الضغوط التي فرضتها الأزمة على "حزب الله"، لكنها تراقب الوضع بحذر بحثاً عن أي مؤشرات على تحرك الحزب رداً على تلك الضغوط أو سعياً إلى كسب أسلحة استراتيجية من سورية.دفعت الحرب بإسرائيل إلى إعادة النظر بعلاقتها المتوترة مع تركيا أيضاً. لدى البلدين مصالح متداخلة عدة في سورية، وفي ظل البيئة الإقليمية المحفوفة بالمخاطر قد يؤدي هذا الواقع إلى إطلاق محاولة إسرائيلية جديدة لتطبيع العلاقات مع أنقرة.تركز إسرائيل راهناً على الحالات الطارئة التي تحمل تداعيات مباشرة على أمنها: الأسلحة الاستراتيجية: يتركز القلق الأساسي على مصير ترسانة الصواريخ والأسلحة الكيماوية الهائلة التي يملكها الأسد لأنها قد تقع بيد المجاهدين في سورية أو "حزب الله" في لبنان.العداء الأيديولوجي؟فبينما يركز المجتمع الدولي على مخزون الأسلحة الكيماوية، تركز إسرائيل بالقدر نفسه على وفرة الأسلحة الاستراتيجية الأخرى التي يملكها النظام، بما في ذلك الرادارات والصواريخ المتطورة أرض- أرض، وأرض-جو، وأرض- بحر. كانت الضربة الإسرائيلية الجوية على سورية عشية يوم 29-30 يناير تهدف على ما يبدو إلى التصدي لهذا النوع من التهديدات (وفق بعض التقارير الإعلامية، استهدفت العملية موكباً كان يحمل الأسلحة إلى "حزب الله" في لبنان). التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت حول الحادثة، وذلك كي لا تضطر الأطراف المستهدَفة إلى الرد بعنف على الأرجح، قد تحتاج إسرائيل إلى شن ضربة أخرى مستقبلاً.بالنسبة إلى الأسلحة الكيماوية، انضمت إسرائيل أصلاً إلى واشنطن وأطراف أخرى للمشاركة في حوار استخباري وسياسي مكثف حول هذا الموضوع، كما أنها جهّزت خططها العسكرية الخاصة وركزت على الضربات الجوية الدقيقة.زعزعة الاستقرار على طول الحدود: تعتبر الاستخبارات الإسرائيلية أن الوضع الأمني على طول الحدود سيتدهور تدريجاً فور سقوط الأسد، يرتكز هذا التقييم على تنامي عدد المجاهدين في المناطق المجاورة للحدود، فضلاً عن ظهور مؤشرات على أنهم يخزّنون الأسلحة هناك. بسبب العداوة الإيديولوجية العميقة، قد تستهدف تلك الجماعات إسرائيل بعد انهيار النظام. كذلك، لم يستبعد الجيش الإسرائيلي بعد السيناريو الأقل احتمالاً الذي يتوقع أن تطلق قوات الأسد عملية يائسة أخيرة عبر الحدود.بغض النظر عمّا سيحدث، يبدو أن المؤسسة الدفاعية مقتنعة بأن إسرائيل توشك على دخول حقبة جديدة من الفوضى حيث تترافق التحديات التي يفرضها المجاهدون على طوال الحدود مع سيناء مع تحديات جهادية مماثلة من سورية (قد يحصل أيضاً تنسيق بين الفريقين في مرحلة ما). رداً على التهديد القائم على الحدود، بدأت إسرائيل حديثاً تشيّد سياجاً أمنياً متطوراً في الجولان بما يشبه السياج الذي انتهى للتو في الجنوب. كذلك، نُشرت قوات وإمكانات استخبارية جديدة في المنطقة وارتفع مستوى التأهب وطُرحت خطط من أجل شن تدخل محتمل عبر الحدود.حقبة ما بعد الأسد: من وجهة نظر إسرائيل، يتعلق السيناريو الأقرب إلى الواقع بعد حقبة الأسد بنشوء دولة سورية منقسمة وغير مركزية وشائبة تزامناً مع استمرار نشاطات طهران في أجزاء من البلد. صحيح أن تجديد عملية السلام بين البلدين يبدو بعيد المنال الآن، لكن تحدث البعض في أوساط الحكومة الإسرائيلية عن احتمال الاصطفاف مع الأقليات غير المسلمة في سورية، لا سيما في المناطق الحدودية. تذكّرنا هذه الأفكار بالاصطفافات الإسرائيلية التاريخية مع الأقليات الإقليمية.يظن الإسرائيليون أيضاً أن انهيار نظام الأسد قد يكون مفيداً لهم حين يواجهون قرارات حاسمة بشأن برنامج إيران النووي. سبق أن ذكرنا بأن خسارة حليف مهم استراتيجياً قد توجّه لطمة موجعة إلى طهران: إذا قررت إسرائيل أو الولايات المتحدة لاحقاً ضرب إيران، فلن تتمكن سورية من تقديم مساهمة مفيدة لدعم رد إيران وسيُحرَم "حزب الله" من قناة دعم مهمة تعيد تزويده بالإمدادات خلال المواجهة وبعدها.تزداد المخاوف من تنامي الفوضى شمالاً في أوساط قادة إسرائيل أكثر من أي وقت مضى منذ بدء الانتفاضة ضد الأسد. بناءً عليه، يجب أن تقيم الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى واللاعبون الإقليميون البارزون حواراً جدياً مع إسرائيل بشأن المخاطر والحالات الطارئة المرتبطة بانهيار النظام السوري.Michael Herzog* كان مساعداً عسكرياً بارزاً ومستشاراً، وتولى منصب رئيس هيئة الأركان في عهد أربعة وزراء دفاع، وشارك في مفاوضات السلام بين إسرائيل وسورية.