كلامنا عن سورية في غير محله

نشر في 10-09-2013
آخر تحديث 10-09-2013 | 00:01
من الصعب العثور على مراقب واحد للشأن السوري، مهما كانت عقيدته أو انتماؤه السياسي، لا يشارك ستيوارت في استيائه هذا من الاستشارات السياسية العامة التي تتناول هذه المسألة البالغة التعقيد والعالية المخاطر.
 واشنطن بوست عرض مقدّم برنامج Daily Show جون ستيوارت، مع بداية موسمه الجديدة بعد عطلة الصيف، بحماسةٍ حججاً ضد خطة إدارة أوباما لتوجيه ضربات محدودة إلى سورية. صحيح أن ستيوارت مقدّم برامج ساخر وفكاهي، إلا أنه يتمتع بتأثير كبير وثقة الكثير من الناس، خصوصاً بين الأميركيين اليساريين، الذين انقسموا حول هذه المسألة، وقد يؤدون دوراً بارزاً في تحديد ما إذا كان الكونغرس سيعطي الرئيس أوباما الضوء الأخضر، ونتيجة لذلك، يُعتبر برنامجه بالغ الأهمية.

أثار برنامجه هذا بعض الجدل بين مراقبي السياسة الخارجية، وذلك لسببين: أولاً، حاول أن يضحك الناس بإطلاقه بعض الدعابات عن استخدام الأسلحة الكيماوية المحتمل ضد المدنيين السوريين، دعابات اعتبرها عدد كبير من المراقبين غير ملائمة. لا أحسد ستيوارت على تغطيته جرائم الحرب وعمليات قتل المدنيين الجماعي بأسلوب فكاهي؛ كذلك لا أعتبر نفسي مخولاً الحكم على ما يقدّمه، وعلاوة على ذلك، يبدو جلياً أن ستيوارت يكترث كثيراً بالسوريين، فقد استقبل أحد مسؤولي الأمم المتحدة لمناقشة أزمة اللاجئين، ورغم ذلك، إذا كنت تتابع الصراع السوري ولو بشكل عابر خلال السنتين الماضيتين، أو إذا كنت تعرف أناساً يعيشون اليوم في سورية ويواجهون خطر الأسلحة الكيماوية، فمن الصعب أن تتخيل لمَ قد يظن أحد أن مقارنة غاز السارين بالعطور مضحكة.

ثانياً، صحيح أن ستيوارت تناول عدداً من الحجج القوية التي تدعم الامتناع عن توجيه ضربة أميركية إلى سورية (ثمة حجج قوية أيضاً تدعم المضي قدماً في هجوم مماثل)، لكنه لم يركز انتقاده على جودة هذه السياسة، بل على نوعية المناظرة السياسية الدائرة حولها حالياً في الولايات المتحدة، فمن الصعب العثور على مراقب واحد للشأن السوري، مهما كانت عقيدته أو انتماؤه السياسي، لا يشارك ستيوارت في استيائه هذا من الاستشارات السياسية العامة التي تتناول هذه المسألة البالغة التعقيد والعالية المخاطر، ورغم ذلك، عرض الكثير من المحللين الأذكياء خلال الأشهر الأخيرة حججاً تؤيد أو ترفض التدخل العسكري الأميركي المحدود في سورية. ومن المؤسف أن ستيوارت حصر اهتمامه بالاستشارات السياسية الضحلة التي برزت الأسبوع الماضي وأعاد تأكيدها.

لا أقصد بذلك انتقاد ستيوارت، فهو في النهاية ناقد ساخر.

 أهدف من كلامي هذا إلى التشديد على نقطة أهم: تعكس هذه الحلقة الطريقة التي نتحدث بها اليوم عن سورية بعد أن تحوّلت إلى قضية سياسية، إذ يقوم الأساس الذي استند إليه ستيوارت في دعاباته عن الأسلحة الكيماوية وقراره المشاركة في الاستشارات الأخيرة حول هذه السياسة، هذا الأساس الذي يزداد بروزاً في المناقشات الأميركية حول سورية اليوم، على فكرة أن هذا البلد والصراع الدائر فيه اكتسبا أهمية جديدة لأن الولايات المتحدة قد تتدخل فيهما.

لا يُعتبر غاز السارين من وجهة النظر هذه سلاحاً مريعاً مدمراً ينشر الخوف والموت الجماعي، بل يتحول إلى مجرد أداة تُستخدم في المناقشات لدعم التدخل العسكري، كذلك لا تعود سورية بلداً يعاني حرباً أهلية معقّدة وبشعة، بل تصبح مجرد امتحان للسياسة الخارجية الأميركية.

 يخشى مؤيدو الضربة العسكرية من أن وقوف الولايات المتحدة مكتوفة اليدين قد يؤذي مصداقيتها، وفي المقابل يخاف مَن يعارضونها أن تجرنا إلى المستنقع السوري، أما السوريون، الذين قُتل منهم أكثر من مئة ألف وتشرّد نحو مليونين، فيدعمون لاعبين في مسرحية تتمحور حولنا.

نرفض أن نقر بأن دورنا في هذا الصراع محدود، وأن من المستبعد أن يكون للضربة العسكرية الأميركية المطروحة للنقاش (بغض النظر عما إذا كانت حكيمة أو لا) تأثير يُذكر في سورية أو الولايات المتحدة، سواء سلباً أو إيجاباً. في المقابل، تؤدي القوى داخل سورية وفي المنطقة دوراً أكبر وأكثر أهمية في مجريات هذا الصراع من أي خطوة قد تتخذها الولايات المتحدة.

ولكن لمَ يساهم الجزء الأكبر من المناظرة السياسية الأميركية بشأن الضربة السورية في تضخيم أهمية هذا الصراع، على ما يبدو؟ يعود ذلك في جزء منه إلى الميل الطبيعي في أي بلد إلى وضع مصالحه الخاصة أولاً، مع أن المصالح الخاصة المنطقية لم تساهم في هذه الحالة في صوغ المناظرة، بل شوّهت على الأرجح فهمنا للأمور. وتبدو طريقة التفكير هذه، في الكثير من أوجهها، من مخلفات حرب العراق التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة، خطواتها، ومداولاتها السياسية الداخلية.

لكن سورية مختلفة كل الاختلاف عن العراق، فقد بدأت حرب العراق بغزو قادته الولايات المتحدة وصاغها احتلال قادته أيضاً الولايات المتحدة، كذلك أدت المصالح الأميركية الخاصة دوراً كبيراً في تحديد ما حدث وأسبابه. في المقابل، كانت سورية غارقة في حرب أهلية مستشرية تتحكم فيها قوى لا دخل لنا بها قبل وقت طويل من تحوّلها إلى إحدى مسائل السياسة الأميركية الأسبوع الماضي. حتى المناظرات الرئاسية عام 2012 تناولت الحرب السورية بشكل عابر فحسب، كما لو أن هذا مجرد فرض واجب، ولم نشهد أي اختلاف يُذكر بشأنها بين المرشحين. من الجيد، لا بل من المهم بالنسبة إلى النظام السياسي الأميركي أن يناقش بعمق طلب أوباما موافقة الكونغرس على توجيه ضربة إلى سورية.

ولا شك أن هذه مسألة صعبة وبالغة الأهمية، ولكن لا داعي للادعاء أن هذه المناظرة تدور حول سورية، فكما ذكر إميل حكيّم، محلل لشؤون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية، على موقع "تويتر" أخيراً "تتمحور كل الضربات المحدودة حول الولايات المتحدة لا سورية، سواء كانت تأديبية، أو عادية، أو رادعة، أو متسرعة".

Max Fisher

back to top