«الرَّحالة المتأخَّرون»... الاستشراق في عصر التفكك الاستعماري

نشر في 03-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 03-03-2013 | 00:01
No Image Caption
أصدر مشروع «كلمة» للترجمة كتاباً جديداً بعنوان «الرحالة المتأخرون: الاستشراق في عصر التفكك الاستعماري»، لمؤلفه علي بهداد وترجمة الأردني ناصر مصطفى أبو الهيجاء.
يمكن للقارئ العربي أن يرصد مئات الكتب عن الاستشراق والمستشرقين إلى درجة أنه أصبح يشعر بالضياع بسبب هذه الظاهرة التي تجمع تحت سقف واحد مئات النظريات المتناقضة المتفاوتة، أو بين تلك التي تستند إلى المعرفة وتلك القائمة على التسطيح والغارقة في النمطية التي كرستها صورة «ألف ليلة وليلة» في الغرب.

يقدم المؤلف علي بهداد في «الرَّحالة المتأخَّرون... الاستشراق في عصر التفكك الاستعمار» نقداً ثقافياً لكتب الرحلات الغربية، خصوصاً إلى مصر، وما أدته من دور حيوي في الاستعمار الأوروبي إبان القرن التاسع عشر، فقد خالج رحالة ذلك العصر شعور بالامتعاض، حين أصبح الاستعمار الأوروبي الغرائبيَّ مألوفاً.

علي بهداد المهتم بالتصوير الفوتوغرافي يرى أن هذا النزوع الحنيني إلى الآخر  ينطوي على نقد ضمني لفكرة التفوُّق الغربي، ويؤشِّر أيضاً إلى انشطار في الخطاب الغربي حول الآخر. وحظي هذا الموضوع بدراسات كثيرة من الشرقيين ومن الغربيين، فكثيراً ما شكل صدمة، سواء في رحلات العرب والشرقيين إلى أوروبا وأميركا أو في رحلات الغربيين من ألمان وإنكليز وفرنسيين إلى مصر وسورية والخليج العربي.

وينخرط بهداد، عبر انتفاعه بتحليليَّة السلطة لدى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، في الجهد النقدي الجديد للاستشراق، فيراه، على النقيض من رؤية الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، حقلاً متغيِّراً ومعقداً من ممارسات تستند إلى ازدواجيته وقطائعه، كي تكرس سلطته بوصفه خطاب هيمنة. والاستشراق طبقات على ما يقول ابن سعد، لوم يعد هناك صورة نمطية له، فمنه الجاد ومنه الأيديولوجي السطحي. يؤكّد بهداد أنه حتّى فوكو، الذي يشكّل مفهومه للخطاب القاعدةَ الأساسية لاستشراق إدوارد سعيد، «ينتقدُ المفهومَ القانونيَّ للسلطة الذي يعتمد على مفهوم الحظر»، ويحذّرنا من تصنيف علاقات السلطة حصرياً في المصطلحات السّلبيّة والقمعيّة.

 كذلك ينطلق الكاتب في نقده من حقلي النقد الثقافي والدراسات ما بعد الكولونياليَّة، ويحشد لهذا الغرض جملة وافرة من الأجهزة التحليلية والمفاهيمية، التي تنتسب إلى غير كاتب وجنس كتابي، يتوزع بين النظرية الأدبية، الفلسفة، الأنثروبولوجيا، التاريخ، والتحليل النفسي. وينطوي عمل الكاتب أيضاً على تبحُّر في الوثائق والمصادر التاريخية؛ يكشف عن صبر وحرفية تتبديان في انهماكه ومجاهدته لفك ما استغلق من المخطوطة التي سطرها غوستاف فلوبير بخط يده، الذي بهتت ملامحه.

ويتولَّى بهداد بالدرس الشروط التاريخيَّة للفترة المتأخرة من استشراق القرن التاسع عشر، مسلطاً الضوء على كتابات كوكبة من الرحالة والكتاب من أمثال: فلوبير وجيرار دي نرفال وكيبلينغ وبلنت وإبيرهاردت وغيرهم. ويدرس هذه الكتابات للتدليل على تورطها في خطابات الرغبة والسلطة. كذلك يستعرض جملة قضايا لا تتوقف عند الحنين والسياحة، بل تتعداهما إلى التشبه بالآخر والإغراق في السوداوية؛ كي يقيم الدليل على تغاير الاستشراق وتعدد ممارساته وأهدافه ونظرياته وطرق توظيفه.

يُذكر أن علي بهداد أستاذ الأدب المقارن في قسم اللغة الإنكليزيَّة في جامعة كاليفورنيا، وتشتمل انشغالاته الأكاديميَّة على غير حقل نقدي يتوزَّع بين النظريَّة والأدب ما بعد الكولونياليين، والنقد الثقافي، والتمثيلات الأوروبيَّة حول الشرق الأوسط. وصدر له «الأمة المنسية؛ حديث حول الهجرة والهويَّة الثقافيَّة». وقد مثَّل «الرحالة المتأخرون» مرجعاً مهمَّاً في حقلي الدراسات الكولونياليَّة وما بعدها والنقد الثقافي.

back to top