نزار قباني

نشر في 02-05-2013
آخر تحديث 02-05-2013 | 00:01
 مسفر الدوسري بالرغم من إنجازه الشعري المهم، فإنني أعتقد أن الشعر لم يكن إنجاز نزار قباني الأعظم.

إن إنجاز نزار الأهم في رأيي كان على صعيد الحب، أما الشعر فقد كان الوسيلة الأنجع في تسويق ذلك الإنجاز، خاصة إذا كنا نتكلّم عن شاعر ابتكر خلطته السرية من شغب المفردات وحريرها، وماء الألوان.

نزار خلع عن الحب جلبابه الأسود الذي يختبئ تحته، ونقابه الذي كم حاول أن يستر بعضاً من ملامحه من خلاله، كما قام بقراءة التعاويذ المقدّسة على قلبه ليتخلى عن خوفه من السير في الشوارع وحيداً، ويتخلى عن خجله في اللعب بالطين، وبناء قلاع وقصور يعرف أنها آيلة للتهاوي بعد حين قريب!

نزار جعل الحب يخرج من كوخه الصغير والمتواري في آخر غابة الكلام، والذي لم يكن يغادره إلا ليلاً مخافة الأعين الفضولية والرقباء، نزار أخرجه من ذلك الكوخ الرطب والذي كاد يتعفن به إلى الشوارع صباحاً، وأن يتجوّل حاسراً الرأس بين أزقة القرى وشوارع المدن المكتظة بالناس، علّمه شرب القهوة فأحب جلسات المقاهي، وتبادل الأحاديث والفكاهة والقصائد مع رواد تلك المقاهي.

قبل نزار كان الحب مثل العنقاء، والغول، و»حمارة القايله»، كان لغزا غامضا عجزت عن فهمه القلوب، وشيفرةً سريّة الكل يجهل كيفية فك رموزها والكلّ يدّعي علماً ومعرفة بكل خباياها، وكائناً تتحدث عنه الجدات في حكايات ما قبل النوم، وكوكباً في أقصى الفلك من ذهبوا إليه لم يعودوا منذ ذاك الوقت ليخبروا كيف يبدو ذلك الكوكب، وهل من شبه بينه وبين الأرض؟! وهل به ماء ويابسة وشجر؟! وهل به حياة بأي شكل؟! كل الذين ذهبوا إلى هناك قبل نزار، ذهبوا بلا عودة وبلا إجابات تنهي بلاهة دهشتنا به، ولكن نزار عندما ذهب إلى ذلك الكوكب لم يعد بالإجابات فقط وإنما جاء وبين يديه الكوكب نفسه ووضعه في الحديقة العامة، ووزّع قطعا منه للأطفال.

نزار أخذ الحب بين يديه ودار به كل البيوت ليتعرف عليه الناس في دورهم وتناول معهم الشاي وأطباق الحلوى التي صنعت خصيصاً لاستضافته، حضر سهرات السمر العائلية التي كانت تقام بين حين وآخر، بعض العائلات حرصت على أن يكون شاهدا في زيجات أبنائها وبناتها، كما قام بواجب التعازي في مناسبات كثيرة، وحضر ختان كثير من الأولاد، وساهم في نشاطات اجتماعية عدّة، قام بإنشاء مراكز صغيرة لمحو الأمية العاطفية في أماكن عديدة من الوطن العربي للرجال ومثلها للنساء، قام بتعليمهم أبجدية الحب حرفاً حرفاً.

أصبح الحب بفضل نزار يمشي في الشوارع كنبي، يصادقه الأطفال والدروايش والطيبين، ويشتمه السادة الذين أحسوا بأن سلطتهم بدأت بالانحسار أمام سطوته القوية وسلطانه الجبار!

استطاع نزار فعل ذلك بالحب عن طريق جمال الشعر، ولكن السؤال هل كان سينجح نزار بما قام به لو استخدم وسيلة أخرى غير الشعر؟! أظنه سيفعل!

back to top