تلخص ثلاث قضايا شهدها الشارع الكويتي خلال العامين الماضيين طريقة التعاطي الأمني مع حقوق الأفراد وحرياتهم، وكيفية التعامل معهم وفق أحكام الدستور والقانون، وهي: تعامل وزارة الداخلية أولا مع أحداث ديوان الحربش، وتعذيب المواطن محمد الميموني ثم قتله على يد عدد من رجال الأمن، والتعامل مع التجمعات التي دعا إليها البعض من فئة غير محددي الجنسية «البدون» في منطقة تيماء.

Ad

وبالنظر إلى كل تلك القضايا التي تتشابه ظروفها في ثلاث نقاط: إفراط بعض رجال الأمن المشرفين في التعاطي مع تلك الأحداث، وعدم وجود أي مظاهر للمقاومة تستلزم هذا القدر من المبالغة في التعامل الأمني معها، وانتهاء القضاء إلى إدانة المسؤولين في وزارة الداخلية عن تلك الأحداث، وكل تلك الممارسات المخالفة للقانون تستلزم من المسؤولين في وزارة الداخلية التحقيق مع المتسببين فيها، تفاديا لعدم تكرار ما حدث فيها، فمحكمة الاستئناف أدانت مسؤولا في القوات الخاصة لإفراطه في ضرب أحد الموجودين في ديوان الحربش، وهو صحافي كل قضيته أنه تواجد لتغطية أحداث الندوة المنعقدة، ولحكم الإدانة الصادر من محكمة الاستئناف حتى الآن دلالة هامة على أن مبالغة بعض رجال الأمن في التعامل مع المدنيين والإفراط في ضربهم لن يمنع القضاء من معاقبة أي مسؤول منهم مهما علت رتبته بالحبس أو بالعزل!

وفي الوقت ذاته أدانت محكمة الاستئناف ما يزيد على 15 عنصرا أمنيا من عناصر ورجال الأمن والمباحث في محافظة الأحمدي، وقضت بالسجن المؤبد لضابطين، والسجن 15 عاما و10 سنوات لأفراد آخرين، وأحكام متفرقة بين السجن والغرامات لآخرين بعد إدانتهم بتعذيب أربعة موقوفين، وقتل أحدهم لمجرد اتهامهم بقضايا جنائية فقط، وتلك الإدانة لتلك المجموعة الكبيرة من عناصر الأمن كفيلة بأن تعكس بعض الجوانب الحقيقية التي يعيشها الجهاز الأمني المسؤول عن ضبط الجريمة ومكافحتها، وهي في الوقت ذاته تستلزم من المسؤولين في وزارة الداخلية إعادة تأهيل هذا القطاع من كل العناصر المدانة والمسؤولة عنها لطي أسوأ صفحات شهدها الجهاز الأمني في عام 2011، ومازال يتذكرها الناس حتى هذا اليوم.

بينما المشهد الأخير برأيي هو التعاطي الأمني السلبي الذي كشف عنه عدد من الصور الصحافية للأحداث التي شهدتها تجمعات منطقة تيماء، والتي يدعو لها عدد من فئة غير محددي الجنسية «البدون»، من قيام عدد من قوات رجال القوات الخاصة والأمن باستعمال القسوة المفرطة، وهي مشاهد برأيي ليست مألوفة على دولة القانون والدستور، وقد تكون قريبة على دول يكون القانون آخر همها، والدستور آخر ما يعترضها، فخروج عدد من المطالبين ببعض الحقوق الإنسانية لا يبرر المبالغة الأمنية في التعاطي معهم، خاصة أن الأحكام القضائية برأت كل من تمت إحالته للقضاء بسبب التجمعات في تيماء، ما يعني عدم سلامة التهم الموجهة من وزارة الداخلية، وأن قصد من تواجدوا ليس اقتراف الجريمة حسبما أحالتهم وزارة الداخلية للقضاء، وإنما قصدهم المطالبة ببعض حقوق الإنسان!

أخيرا تأتي الإشارة إلى تلك المشاهد الأمنية الثلاثة لأنها لامست حقوق الناس وحرياتهم، وتسببت في حرمان البعض من حياته كمحمد الميموني وصحته كمحمد سندان وحرية الكثيرين، وهي مقدسات صانها الدستور والقانون، ومن قبلهما الشريعة الإسلامية، وتستلزم من الدولة العمل على حمايتها والحفاظ عليها ووقف كل مظاهر النيل منها.