فجر يوم جديد: مخرج يبحث عن ذاته!

نشر في 15-02-2013
آخر تحديث 15-02-2013 | 00:01
 مجدي الطيب حالت الظروف دون مشاهدتي فيلم «مصور قتيل» أثناء عرضه التجاري، لكن الفرصة كانت مواتية لتعويض ما فات، بعد اختياري لعضوية لجنة تحكيم مهرجان المركز الكاثوليكي المصري للسينما في دورته الواحدة والستين، واختيار «مصور قتيل» للمنافسة على جوائز المهرجان، بالإضافة إلى أربعة أفلام أخرى هي: «بعد الموقعة»، {ساعة ونص»، «جدو حبيبي» و{تيتة رهيبة».

شاهدت «مصور قتيل»، وخرجت بملاحظات عدة؛ أولها أن المخرج الشاب كريم العدل بلغ مرحلة متقدمة في فهمه لغة السينما والإلمام بأدواته الفنية، مُقارنة بفيلمه الروائي الطويل الأول «ولد وبنت» (2010) فضلاً عن ثقته في نفسه، واجتهاده في البحث عن الأسلوب واللون اللذين يُجيدهما؛ ففي «ولد وبنت» قدم الواقعية الاجتماعية حسبما يراها بينما حقق نقلة واسعة في «مصور قتيل»، الذي ينتمي إلى الدراما النفسية، «السيكودراما»، ويعتمد على الجريمة والتشويق والإثارة، لكن الحال لم تختلف كثيراً في علاقته الفاترة بعنصر التمثيل، وعجزه عن إخراج أفضل ما في جعبة ممثليه!

ربما وجدنا له العذر في فيلمه الأول، الذي اختار لبطولته وجوهاً جديدة مثل: أحمد داود ومريم حسن وآية محمود حميدة. لكن الحجة تسقط تماماً في فيلمه الثاني، الذي أسند بطولته لممثلين معروفين: الأردني إياد نصار والتونسية دُرة، بالإضافة إلى باقة من الممثلين المحترفين، ورغم هذا لا تختلف النتيجة؛ حيث البرودة تغلف الأداء، والقصور الواضح في فهم الشخصية الدرامية، والمبالغة أحياناً!

«مصور قتيل» هو المصور الصحافي البارع أحمد صقر (إياد نصار) الذي أذهل الجميع من حوله بانفراداته الصحافية المتتالية، وقدرته على تصوير جرائم القتل من زوايا مبتكرة، لكنه يتعرض لأزمة نفسية حادة، بعد أن تروح زوجته ضحية جريمة قتل، ويقرر اعتزال مهنة التصوير الصحافي، والتفرغ لإعداد كتابه «صور حقيقية»، الذي يحتاج إلى صورة أخيرة ليكتمل نهائياً، وفي رحلة البحث عنها يواجه مواقف وشخصيات تزيد عصبيته وتوتره، لكن الطبيبة النفسانية خديجة (دُرة) تكشف سره، والجانب المظلم من شخصيته؛ فهو السفاح المتسلسل الذي ارتكب 10 جرائم قتل آخرها زوجته، التي أدركت حقيقته، وأفشت السر لقريبتها «خديجة» فما كان منها سوى أن واجهته، وحكمت على نفسها بالموت قبل أن يصل ضابط الشرطة (أحمد فهمي) كعادة السينما المصرية في الوقت المناسب!

كتب عمرو سلامة، مخرج فيلمي «أسماء» و{زي النهارده»، قصة «مصور قتيل» البوليسية، على غرار ما نشاهده في الأفلام الأميركية، وبينما أحكم نسج خيوطها وكشف خلفية أزمة البطل النفسية، الذي اختار نهايته وصورته وهو يموت لتصبح الصورة الأخيرة، بدا وكأن لا علاقة للفيلم بواقعنا العربي، فالأجواء تكاد تكون «سريالية» (فوق الواقع) والأماكن غرائبية، ولولا الشخصيات التي تتحدث الحوار بالعربية لخيل إلينا أننا حيال فيلم ينتمي إلى السينما الأميركية!

من ناحيته، بذل المخرج الشاب كريم العدل جهداً ملحوظاً في تقديم تجربة فنية كثف فيها جرعة الغموض والتشويق والإثارة من خلال التصوير والإضاءة وزوايا وحركة الكاميرا (مدير التصوير عبد السلام موسى) والإيقاع الذي أحسن توظيفه، والقطعات السريعة (مونتاج سُلافة نور الدين) فضلاً عن براعته في اختيار الألوان، التي تنسجم وحالة الشخصية النفسية؛ كاللون الأزرق الذي يعكس الميل إلى التأمل والعاطفة الجياشة مثلما يُشير إلى تقلب المزاج، وارتباطه بالشخص المُصاب بداء العصاب، واللون البني الذي يوحي بالتجريد والغموض والمثالية، واكتست به مشاهد «الفلاش باك» التي كشفت حقيقة أزمة البطل، الذي تعرض لحادث في طفولته تسبب في إصابته بهلاوس بصرية وسمعية، واختلطت هلاوسه بظواهر غريبة، كرؤية المستقبل والحديث مع الموتى!   

اتسم فيلم «مصور قتيل» بالإبهار على صعيد الصورة؛ حيث «الكادرات» الجمالية الأقرب إلى «الكارت بوستال»، والتي تنسجم وشخصية البطل الذي يمتهن التصوير الفوتوغرافي، إضافة إلى السحر المُحبب في مثل هذه النوعية من السينما، والاختيار الواعي للأماكن والأجواء والطرز المعمارية والمؤثرات الصوتية التي تكرس الغموض، وتُسهم في تكثيف حالة الترقب والتوتر، كالقمر المكتمل، الذي يُنذر بخطر وشيك، رغم جنوح المخرج، ومعه مدير التصوير، إلى المبالغة للوصول إلى تجسيد حالة الغموض، كما حدث في استخدام دخان الشوارع، وتوظيف تأثير الإضاءة (اللمبة التي تكاد تحترق في ممرات المستشفى) فالصنعة هنا واضحة، وكادت تفسد التجاوب مع الفيلم، كما أفسده أداء إياد نصار الذي لم يخل من مبالغة في تجسيد حالة البطل المشوش بالاهتزاز المستمر لرقبته، والشعر المشيب في مقدمة رأسه، وكأنه مجذوب، وظهور واختفاء شخصيات درامية بلا تأثير يُذكر (سلوى محمد علي وطارق التلمساني). غير أن المحصلة النهائية تؤكد أننا إزاء مخرج يبحث عن ذاته، وعندما يجدها سيصبح واعداً بحق.

back to top