يشبه قيادي مسيحي في «قوى 14 آذار» عايش من موقع القرار السياسي المرحلة بين عامي 1988 و1990 التي تولى فيها النائب ميشال عون رئاسة الحكومة الانتقالية في لبنان، المعركة التي يخوضها عون اليوم تحت عنوان تمرير «مشروع اللقاء الأرثوذكسي للانتخابات النيابية» بـ»حرب التحرير» على سورية التي أعلنها عون في مارس عام 1989.

Ad

وينطلق القيادي المذكور في مقاربته من أن عون الذي تفرد في عام 1989 بإعلان حرب التحرير على سورية، وجر اليها القوات اللبنانية والأحزاب المسيحية الأخرى على الرغم من اقتناع هذه الأحزاب بأن موازين القوى والظروف الإقليمية والدولية التي كانت قائمة آنذاك لا تسمح بمثل هذه الحرب، وبالتالي لا يمكن لمثل هذه الحرب أن تترجم مكاسب سياسية للمسيحيين.

لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الأحزاب والقوى السياسية والعسكرية المسيحية وجدت نفسها مضطرة إلى مجاراة عون من موقع عدم قدرتها على الوقوف متفرجة على حرب تقصف فيها القوات السورية المناطق المسيحية. فنجح عون، من خلال المزايدات الإعلامية والسياسية والشعبية في استدراج القوات اللبنانية وحلفائها الى حرب لا تريدها ولا تقتنع بجدواها ولا تؤمن بنتائجها تحت طائلة اتهامها بالخيانة والمساومة على حقوق المسيحيين والسيادة اللبنانية ومنطق الدولة الحرة السيدة المستقلة.

ويتابع القيادي مقاربته بالقول: بعدما استنزفت الحرب المسيحيين ووصولها الى الحائط المسدود، كان لابد من تسوية عجز العماد عون نفسه عن رفضها بعدما أجمعت عليها الجهات العربية والدولية الفاعلة. ولما جاءت التسوية السياسية على صورة النتيجة العسكرية التي انتهت إليها «حرب التحرير» التي قررها العماد عون وقادها وجر الآخرين إليها، عمد عون الى اتهام من قبلوا التسوية بأنهم يفرطون في حقوق المسيحيين ولبنان، ووجه إليهم تهمة الخيانة لأنهم عملوا على إيجاد أرضية سياسية للخروج من الحرب بأقل الخسائر الممكنة على المسيحيين ولبنان بالمقارنة مع موازين القوى العسكرية والسياسية التي كانت قائمة على الأرض يومها بفعل «حرب التحرير».

ويضيف: عندما اختار المسيحيون وعلى رأسهم البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير والقوات اللبنانية وحلفاؤها والنواب المسيحيون السير في اتفاق الطائف، شن النائب ميشال عون حرباً عسكرية على القوات اللبنانية لإلغاء حضورها العسكري ودورها السياسي، وحرباً إعلامية تخوينية على النواب فحل المجلس النيابي بصورة غير دستورية، وهجر البطريرك صفير من بكركي الى المقر الصيفي للبطريركية المارونية في الديمان، ورفض الاعتراف بالرئيس المنتخب للجمهورية رينيه معوض ومن ثم بالرئيس الياس الهراوي.

وينطلق القيادي المسيحي البارز في «قوى 14 آذار» من هذا العرض التاريخي ليقول إن عون يعيد مع مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي للانتخاب الذي تنتخب بموجبه كل طائفة نوابها سيناريو حرب التحرير رافعا شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين. وهو نجح في استدراج القوى السياسية والحزبية المسيحية الى ساحته وملعبه من دون أن يتمكن هؤلاء نتيجة للتوازنات والمعادلات اللبنانية والإقليمية والدولية من تمرير وجهة نظرهم، وهو ما يعني أن الأمور ستتجه حكما في النهاية الى تسوية لن تكون في مصلحة ما ينادي به عون. وعندها يتخوف القيادي المسيحي من أن يستمر سيناريو ثمانينيات القرن الماضي في إعادة انتاج نفسه. فتؤدي التسوية المنتظرة الى مواجهة سياسية وإعلامية مسيحية – مسيحية على شكل حرب إلغاء وتخوين يخوضها عون ضد معارضيه بتهمة التفريط في حقوق المسيحيين، ويتحول شعار انتزاع حقوق المسيحيين الى وسيلة لمزيد من إضعاف المسيحيين ووضعهم في مواجهة مع شركائهم اللبنانيين في الوطن ومع السياسات الإقليمية والدولية التي ترسم للمنطقة.

ويختم القيادي المسيحي بالقول: إن التاريخ يعيد نفسه وكل الأمل في ألا يدفع المسيحيون مرة جديدة ثمن المزايدات السياسية من حضورهم ودورهم الوطني.