الأغلبية الصامتة: أدام الله ظل الدولة العلية
الأمر الذي يستحق التساؤل هو ما الحاجة لدمج ثلاثة قوانين: (المطبوعات، المرئي، الإلكتروني) في قانون واحد، رغم أن المطبوعات صدر في 2006 والمرئي والمسموع صدر في 2007؟ ما السر في إعدام قوانين حديثة وتصدير قانون جديد؟ الجواب: الوقت لا يكفي لإجراء تعديلات وتغليظ عقوبات على القانونين المنفصلين.
من قال إن الخلافة العثمانية زالت؟ ومن روّج كذباً أن الصدر الأعظم توقف عن "برم شنباته" وهو يزاول مهامه كرئيس للوزراء، وينصت مبتسماً لناظر المعارف الجليلة أو وزير الإعلام وهو يقرأ عليه مواد قانون المطبوعات العثماني قبل صدوره في 16 يوليو 1909؟ لقد تلمست وأنا أقرأ مشروع قانون الإعلام الموحد وأقارنه بقانون الدولة العلية أن زمان حكومتنا متوقف عند زمان الدول العلية، وجهدها اليوم منصب لإحلال الماضي مكان المستقبل.
برأيي أن دوافع الحكومة لتقديم قانون الإعلام "المعقم" بهذا التوقيت والتعجيل قبل غيره يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة: الأول هو استباق حكم المحكمة الدستورية بشأن مرسوم الصوت الواحد أياً كان ذلك الحكم، لأن القوانين المنجزة يسري مفعولها حتى لو أبطل المجلس كما حصل في مجلس فبراير، السبب الثاني هو توافر برلمان متعاون لدرجة التنازل عن أداة الاستجواب، ومثل هذا القانون "الملغم" لا يمكنه المرور بسهولة سوى عبر هذا المجلس "اللي يشمخ"، السبب الثالث هو استكمال سياسة "إحكام القبضة" التي تستهدف تقليص مساحة كل أشكال الاحتجاج السلمي عبر إقرار أكبر قدر من القوانين المفصلة التي تعدل الدستور بشكل غير مباشر.الأمر الذي يستحق التساؤل هو ما الحاجة لدمج ثلاثة قوانين: (المطبوعات، المرئي، الإلكتروني) في قانون واحد، رغم أن المطبوعات صدر في 2006 والمرئي والمسموع صدر في 2007؟ ما السر في إعدام قوانين حديثة وتصدير قانون جديد؟ الجواب: الوقت لا يكفي لإجراء تعديلات وتغليظ عقوبات على القانونين المنفصلين، ناهيك عن المطلب المُلح وهو تربيط المارد الإلكتروني وهو العدو الأول لأي حكومة عاجزة عن كسب تأييد الناس بالإنجازات الملموسة. لقد تضمن قانون الإعلام "المعقم" عشرات المواد التي تستحق التوقف عندها ولكن المساحة هنا لا تسمح، وأكتفي ببعض الفقرات، فمن شروط الحصول على ترخيص لإنشاء صحيفة إلكترونية أو موقع إعلامي إلكتروني هي أن يكون المستخدم كويتي الجنسية (ما يعني أن غير الكويتي مسموح له بمزاولة هذا النوع من النشاط دون ترخيص)، وكامل الأهلية (أعتقد أن بعض الوزراء سيعانون من هذا الشرط )، وألا يقل عمره عن 21 عاماً.الشرط الثاني أن يكون حاصلاً على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها على الأقل... قمة الإحراج لو دخلنا في موضوع الشهادات!المادة (27) المتعلقة بالصحف قمة من قمم الإعلام "المعقم" وتنص: "لا يجوز أن ينشر في الصحف مضمون أو محتوى المؤلفات والمطبوعات أو أجزاء منها سبق أن تقرر عدم إجازتها للنشر أو التداول"، إن ما تمنعه وزارة الإعلام عادة يكون بسبب عنوان مثير أو سطر لم يستوعبه الرقيب ولكن بقية الكتاب خالية من الممنوعات، معنى ذلك أن نشر فقرة كاملة من رواية ممنوعة في أحد مقالاتي تجعلني مذبناً.في الختام أدام الله ظل الدولة العلية وجعل كلامنا خفيفاً على نظارة المعارف الجليلة، وحتى يأتي ذلك اليوم الذي نحتاج فيه إلى ترخيص على كلماتنا نقول لحكومتنا الرشيدة: الخصومة مع الناس أهون من مخاصمة تطورات الزمن الحتمية.