الأغلبية الصامتة: «بوحمود» في السلطة
من في الكويت لا يحب "المرعب" جاسم يعقوب؟ حتى اليوم لم أجد كويتياً يكره أو يذمّ سيرة هداف منتخب الكويت ونادي القادسية صاحب الروح الرياضية العالية والأداء المتميز أمام حراس المرمى... "بوحمود" تجمدت ذكراه الجميلة يوم اعتزاله الملاعب في منتصف الثمانينيات، وظلت أهدافه خالدة في ذكرى الأجيال المتلاحقة، تجرح القلوب أكثر مما تسعدها لأنها تنكأ حقيقة أن ما تحقق في أيام جاسم يعقوب والكتيبة الذهبية التي لعبت معه بروح الفريق الواحد توقفت عند زمانهم، ولم يأت بعدهم من ينافسهم سجلاتهم، دون أن ننكر نجومية لاعبين لاحقين امتلكوا الموهبة والإخلاص ولكنهم حرموا من بيئة الدعم والرعاية.نعود إلى جاسم يعقوب ومحبة الناس له حتى اليوم، وسؤالي هو: لو تولى يعقوب منصباً رفيعاً له علاقة مباشرة بمصالح الناس فهل سيبقى محصناً من النقد والمساءلة، وربما حتى الطعن في ذمته المالية؟ سأذهب أبعد من ذلك: ماذا لو ترشح جاسم يعقوب للانتخابات البرلمانية عام 1985 بعد اعتزاله اللعب مباشرة في الدائرة الثامنة فهل تتوقعون خسارتة؟ لا أعتقد ذلك، بالمناسبة من نجح في تلك الدائرة هما أحمد الربعي وعبدالله النفيسي، بمعنى آخر كان أحد الاثنين سيخسر الانتخابات أمام نجومية "بوحمود" ولكنه أي جاسم يعقوب كان يعلم أين مكانه ومكانته، واختار أن يدعم مرشح التجمع الديمقراطي أحمد الربعي رحمه الله.
لقد اخترت جاسم يعقوب كمثال لأن الجميع مجمع على محبته، ولأننا كذلك سنتمكن من معرفة مفهوم المسؤولية وضرورة تأدية الأعمال "بالأمانة والصدق"، وأياً كان حتى لو كان جاسم يعقوب لو تولى وزارة التربية أو الصحة أو تولى الهيئة العامة للإسكان أو أصبح نائباً، فإن الناس لن يرحموه، ولن يشفع له هدفه في مرمى الاتحاد السوفياتي، أو تمريرته السحرية لهدف التأهل لنهائي كأس آسيا، لأن حاضر الناس ومستقبلهم أهم لديهم من ماضي جاسم يعقوب.لقد سجل لنا التاريخ الحديث أمثلة صارخة على أن من يرغب بتولي رقاب الناس فإن عليه أن يتحمل قسوتهم وبساطة تفكيرهم، وهذه الأمثلة نأخذها طبعا من الدول الديمقراطية العريقة، ففي فرنسا لم ينل قائد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال النازي شارل ديغول حصانة دائمة عندما قرر مواصلة العمل السياسي، بل إن الفرنسيين بمقاييس العالم الشرقي أناس جحدة ناكرو نعمة وأفضال من ضحوا لأجلهم بالغالي والنفيس؛ لأن أول ما فعلوه هو إبعاد ديغول عن الحكم بعد سنة من تحرير فرنسا وبعد 12 عاما أعادوه صاغرين للحكم لأن السياسيين هناك غرقوا في مأزق الجزائر. وفي عام 1968 عمت شوارع باريس ومدن فرنسية أخرى مظاهرات حاشدة احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية والتعليمية، وأمام ذلك طرح ديغول مجموعة من الإصلاحات للاستفتاء العام، وأعلن أنه إذا لم يحصل على الأغلبية فسوف يستقيل، الشعب الفرنسي "المش متربي" لم يثق بإصلاحات ديغول إذ إن "47.5" في المئة فقط صوتوا بنعم، فسقط الاستفتاء وأعلن ديغول في نفس اليوم استقالته من منصبه.خلاصة القول، المنصب العام فيه عمل والتزام وكفاءة مطلوبة، ولن يقي صاحب المنصب النقد والحساب، نسب شريف أو تاريخ تليد أو لقب "شيخ"، وأكرر ما قلته "حاضر الناس ومستقبلهم أهم لديهم من ماضي جاسم يعقوب".الفقرة الأخيرة: لتبقَ الفانيلة رقم (9) في الخزانة حتى يأتي من يستحقها ويضيف فوق الذهب ذهباً.