في الوقت الذي تنظر فيه محاكم الأحوال الشخصية يوميا لمئات القضايا في جميع المحاكم الموزعة على محافظات الكويت، ما بين دعاوى النفقة والطلاق والحضانة والرؤية، وتنتهي إلى إصدار أحكام بها بعد أشهر طويلة من التداول، ومن ثم تنتقل ملفاتها إلى إدارات التنفيذ لإتمام إجراءات التنفيذ، فلماذا لا يأتي المشرع الكويتي ويغير من آلية النظر في هذه التداولات بأن يلزم رافعيها أولا باللجوء إلى إدارة الاستشارات الأسرية لعرض الصلح بين الأطراف، وفي حالة فشل الصلح يتم إحالة النزاع إلى القضاء للفصل فيه، وهو ما سيوفر على الدولة ومحاكمها أمرين: الأول هو تحقيق مبدأ الصلح من قبل القضاة الشرعيين أو المصلحين الاجتماعيين المتخصصين لذلك في إدارة الاستشارات الاسرية، وكذلك ضمان عدم إحالة كل قضايا الاحوال الشخصية أمام المحاكم إلا من يثبت فشل الصلح فيها مما سيخفف عدد القضايا المعروضة أمام المحاكم.

Ad

أثبت الواقع العملي ان السبب في ارتفاع عدد قضايا الأحوال الشخصية يعود إلى أمرين، هما سوء قانون الأحوال الشخصية المطبق في دولة الكويت أو حتى قواعد الفقه الجعفري وميولهما بجانب طرف ضد طرف آخر، وثانيا سهولة رفع الدعاوى القضائية امام المحاكم من دون قيود ممكنه على رفعها دون أن يكون لمساعي الصلح القانونية أي قيمة، وذلك لكونها تأتي لاحقا بعد رفع الدعاوى القضائية ولا يتم عرضها أمام المتخاصمين قضائيا إلا في قضايا الطلاق فقط من قبل المحكمة، في حين أن أكثر قضايا الأحوال الشخصية إن لم تكن جميعها برأيي بالإمكان حلها عن طريق الصلح القانوني ومن المختصين وبالإمكان توثيقه، ومن دون الحاجة إلى الوصول إلى منصة القضاء والتي برأيي أيضا أن الوصول إليها قد يكون سببا في رغبة الطرفين بالسير في طريق التقاضي ورفضهما طريق الصلح على خلاف ما رغبته الشريعة الاسلامية، وبالتالي فالخلل برأيي سببه قانون الأحوال الشخصية الذي يعد مشجعا للطلاق.

القصة ليست بوضع قيود تشريعية على المتقاضين في قضايا الأحوال الشخصية بقدر ما يمثله التقاضي المخيف لقضايا الأحوال مسؤولية وطنية على المشرع التدخل فيها، والتي تمثل ضريبة التقاضي فيها ثمنا باهظا دفع وسيدفع نصفها الاولاد ويتحمل النصف الآخر أحد الزوجين ممن تحمل عبء المسؤولية لوحده وهو ما سبب وسيسبب نتائج كبيرة يجب تداركها!

مهمة المشرع هي قراءة النتائج الواقعية من التشريعات الموضوعة على أرض الواقع والعمل على معالجتها مهما كانت، فصحيح أن لقضايا الطلاق أسبابا اجتماعية ونفسية لا يعرف أبعادها أهل القانون، إلا أن هناك أبعادا قانونية كشف الواقع العملي عنها تستلزم قدرا من المشرع ضرورة التدخل فيها لا تقل أهمية عن تدخل المشرع في قانون العمل عندما استلزم على العامل ورب العمل اللجوء إلى مكتب العمل بوزارة الشؤون قبل رفع الدعاوى القضائية، وكذلك الحال بالتظلم من القرارات الادارية قبل مقاضاة الجهة الادارية وهي إجراءات استلزم المشرع القيام بها لأن رب العمل قد يتصالح مع العامل أو العكس وينهي الخلاف قبل وصوله إلى القضاء والحال كذلك مع الموظف من قبل جهة الادارة!

أخيرا يجب على المشرع الكويتي أن ينظر الى الارتفاع السنوي لقضايا الاحوال الشخصية بالخطر المستمر الذي يفكك المجتمع ويدمره، وهو ما يتعين عليه التدخل في مراجعة قانون الأحوال الشخصية مع ضرورة إقرار مواد تخص أبناء الفقه الجعفري بذات القانون ليضم أبناء الوطن الواحد قانونا واحدا باسم الأحوال الشخصية والتوقف عن الأخذ بفتاوى المراجع الدينية.