«المحامين»... وهدر حقوق المواطنين!
يشهد ما يطلق عليه بالقضاء الواقف، أو مهنة المحاماة الكثير من الجدل والحديث حوله، لاسيما بعد تحول جمعية المحامين الكويتية إلى نقابة، والاهتمام الشعبي البالغ بما يجري في ساحة القضاء بعد انتقال المواجهات السياسية إلى قاعات المحاكم بشكل مكثف وغير مسبوق في الكويت، وهو ما زاد تسليط الضوء على جميع قطاعات المرفق القضائي، وبصفة خاصة مهنة المحاماة وما تلعبه من أدوار في حياة الجميع.نقابة المحامين ستشهد تغييرات في لوائحها وأنظمتها، وهناك اجتماع في الثالث عشر من الشهر الجاري للنقابة لبحث بعض التعديلات المقترحة عليها، وبغض النظر عن ماهية تلك التعديلات فإنني معني بما طفح على السطح من شكاوى وملاحظات المتخاصمين الذين يلجأون إلى مكاتب المحامين والشركات والمجموعات القانونية المختلفة والتي تؤدي أحياناً إلى هدر حقوقهم بسبب غياب تشريعات تحميهم وتحفظ بشكل واضح وشامل حقوقهم والأجر المناسب الذي يقدمونه للمحامي مقابل أتعابه وخدماته، وليس هناك لائحة استرشادية تبين متوسط أو معدل تلك الأتعاب، وأضحى الأمر "شطارة" ومناورات تصل أحياناً -مع احترامي الشديد للمهنة- إلى شغل "الدلالة"، بل وصل الأمر ببعض مكاتب المحاماة إلى توقيع موكليهم على وصل أمانة أو كمبيالات مقابل أتعابهم وعقود مجحفة في حق الموكلين، ومطالبتهم بكامل الأتعاب قبل الفصل النهائي في القضية بدرجاتها الثلاث.
وفي الجانب العملي والممارسة المهنية فمعظم تلك المكاتب تعتمد على وافد عربي كان مستشاراً سابقاً في سلك القضاء في بلده، ليستقبل عشرات بل مئات القضايا التي لا يتسع وقته لقراءة وقائعها كافة، فيلجأ إلى نسخ المذكرات من قضية إلى أخرى مع تصحيحات بسيطة، دون أن يكون هناك شروط للكمية التي يستقبلها كل مكتب أو مجموعة قانونية، حسب ما تملكه من كوادر ومحامين منتسبين إليها، وكذلك ما يحدث من ممارسات مخجلة في قاعات المحاكم من غياب بعض المحامين، وسلوك مندوبيهم وهم يدورون على زملائهم للحضور عنهم في بعض القضايا مما يزيد من الفترة الزمنية للتقاضي، فضلاً عن الغياب المتكرر لبعض المحامين عن جلسات الخبرة أو حضور شخص نيابة عنهم غير مؤهل، وأحياناً ليس لديه فكرة عن القضية الحاضر عنها!نعم هذه الممارسات موجودة وكثير من المتخاصمين أمام القضاء أهدرت حقوقهم بسببها منهم عجائز وبسطاء، لا يملك العديد منهم الإثباتات والمال والجهد لمقاضاة المحامين المهملين أوالمتسببين في خسارتهم، أو الشكوى لدى نقابة المحامين التي يملك جل أعضائها مكاتب محاماة، فكيف يكون الخصم هو الحكم؟! وهو ما يستوجب أن تكون هناك غرفة لدى القضاء مختلطة بين المحامين والقضاة لتلقي الشكاوى ضد المحامين ومنازعات الأتعاب والأجور وإهمالهم تجاه قضايا موكليهم، لاسيما بعد أن أصبح قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 42 لسنة 1964 لا يلم بالمتغيرات التي حدثت في المجتمع وحجم التقاضي الهائل الناتج عن الحياة المدنية الحديثة وتشابك وتعارض المصالح التي ينتج عنها ضرورة الفصل فيها قضائياً عند التنازع حولها، إضافة إلى حماية المجتمع من الظواهر الإجرامية المتنامية في المجتمعات الحديثة.من المعلوم أن أغلبية أعضاء مجلس الأمة هم من المحامين أو العاملين سابقاً في المجال القانوني وهم ليسوا أو أغلبيتهم متشجعين كما كان الحال في مجالس سابقة لتطوير نظام رقابي محكم على عمل مكاتب المحاماة بغرض حماية حقوق المواطنين، خاصة بعد تنامي الظواهر التي ذكرتها سابقاً، فضلاً عن البدعة الجديدة، المتمثلة بانسحاب المحامين من القضايا دون أسباب وجيهة، وهو أمر أصبح مستحقاً على السلطتين التنفيذية والتشريعية وعلى قطاع واسع من المحامين الشرفاء الوطنيين من أغلبية جسد القضاء الواقف الذين يرفضون تلك الممارسات السلبية التي سيكون لها تداعيات خطيرة على العدل وترسيخ دولة القانون، لذا يجب أن تبادر كل الأطراف إلى وضع نظام رقابي متكامل يحفظ حقوق المحامي والموكل ويرسخ آلية تحقيق العدالة في الديرة.