في كتابه {ثمن الحرية... ليبيا والسنوات العجاف}، يهدف الكاتب الليبي البهلول اشتيوى إلى استخلاص كثير من الدروس والعبر ومراجعة بعض أساليب النظام البائد والتعرف إلى بعض ألاعيبه، وشيء من مكره وخزعبلاته. كذلك إلى معرفة كيفية الاستخفاف بالليبيين وتغييب كثير منهم أو استقطابهم، حتى أصبح كثيرون منهم ألعوبة بين يديه يسخرهم لتنفيذ مخططاته الشيطانية، وغرس أفكاره ودسائسه الشيطانية المدمرة في المجتمع الليبي.

Ad

قسّم اشتيوى كتابه إلى خمسة فصول وخاتمة. في الفصل الأول بعنوان {السياسة الداخلية – نظام الحكم}، يتحدث عن بداية الانقلاب العسكري، مخطط القذافي للسيطرة على ليبيا، فكرة تكوين اللجان الثورية، والقضاء على المراكز الثقافية. كذلك يتناول المؤلف الكتاب الأخضر الذي يسميه {الكتاب الأغبر}، وغيره من مواضيع. أما الفصل الثاني {الأمن الداخلي والخارجي}، فيتناول الأمن وجهاز الأمن الخارجي والجيش. بينما تمّ تخصيص الفصل الثالث لـ}السياسة الخارجية}، فكان الحديث عن المزاجية في السياسة الليبية الخارجية ورحلات القذافي الأسطورية. وجاء الفصل الرابع بعنوان {الحياة الاقتصادية والاجتماعية} ليتحدث عن الرياضة والتعليم، وعن الاقتصاد، وخصص الكاتب باباً لوزراء الاقتصاد في ليبيا. أما الثورة الليبية فكانت عنواناً للفصل الخامس {ثورة 17 فبراير}، فتناول مواضيع متعلقة بالثورة التي أطاحت بالقذافي.

الكتاب الأغبر

في باب بعنوان {الكتاب الأغبر}، أي الكتاب الأخضر، يؤكد اشتيوى أنه حوى بين طياته خرافة النظرية العالمية الثالثة، فهو حسب القذافي يقدم الحلول النهائية لمشكلة الديمقراطية وللمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. فهذا الكتاب عبارة عن مقولات جمعت من أماكن متفرقة وفيه كثير من السذاجة والبديهيات، كمقولات {المرأة تحيض والرجل لا يحيض، والطفل تربيه أمه، والرياضة نشاط عام ينبغي أن يمارس لا أن يُتفرج عليه}. فهذا الكتاب اتخذه النظام كأساس للحكم في ليبيا ومصدراً للتشريع، وملزماً للقضاء حتى ولو تعارضت مقولاته مع الشريعة الإسلامية أو القوانين السارية في ليبيا، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومن أهمها البيت لساكنه، والسيارة لمن يقودها، ومنع التجارة {الركن الاقتصادي من النظرية}. ويشير الكاتب هنا إلى أن النظام أنفق الملايين من الدولارات على نشر الكتاب في أرجاء المعمورة، فترجمه إلى لغات العالم كافة، وتم توزيعه مجاناً على رغم نوعية الورق والتغليف الفاخرين للكتاب.

يرى أشتيوى أن السياسة الخارجية في عهد القذافي لم تعرف استراتيجية محددة واضحة المعالم أو الأهداف. كذلك لم تتوافر رؤية تنير الطريق للدبلوماسية الليبية في كيفية التعامل مع الدول وتوطيد علاقاتها مع هذه الدولة أو تلك، بل إن الأمور كانت تسير سيراً اعتباطياً أو ارتجالياً، فقليلة هي الأفعال في السياسة الخارجية الليبية، ولكن رد الفعل كان كثيراً وشائعاً وربما متخبطاً وفاقداً للتوازن والوعي. فمسار السياسة الخارجية الليبية، وبسبب غموض الرؤية وانعدام الاستراتيجية وعدم تحديد المسؤولية، غالباً ما كان متطرفاً وشاذاً وكان وليد اللحظة والظرف، أو وليد عقلية سياسية ساذجة ولا مسؤولة، وأساليبها تتصف بكونها علاجية أو تصويبية بحتة، لمسار أو مسارات فرضتها أو ساهمت في تكوينها عوامل خارجية.

خرافات

أما رحلات القذافي الخارجية، فيصفها الكاتب بالخرافية، خصوصاً إلى الدول الإفريقية وبعض الدول العربية، فتكاليف الرحلة كانت تدفع بالكامل، بداية من مراسم الاستقبال (التي هي بالعادة تقع على عاتق الدولة المضيفة، أما عند القذافي فالآية معكوسة)، نفقات الإقامة، ومصاريف الحشد والتجمهر. ولا ننسى عملية إلقاء النقود في الهواء والناس خلفها يهرولون لالتقاطها، خصوصاً في الدول الإفريقية، ما يوحي بأنهم يتهافتون لإلقاء التحية على القذافي. كذلك كان يتم نقل مستلزمات الرحلة الكثيرة من الخيمة والناقة والهدايا ووسائل الانتقال والرشاوى والهدايا، خصوصاً لبعض وسائل الإعلام. حتى إن الورود التي كانت تتزين بها القاعات وساحات الخطب كانت ضمن مستلزمات الرحلة. وعادة ما كان المسؤول عن العهدة المالية المخصصة للرحلة، شخصاً وضعه لا يسمح لأي أحد بمراجعته أو التدقيق عليه.

يورد المؤلف بعض الإحصائيات عن الاقتصاد الليبي وعن ثروة القذافي وعائلته. فالقذافي كان يتصدر الزعماء العرب من حيث الثروة، التي وصلت إلى 134 مليار دولار. أما زوجته صفية فكانت تملك شركة طيران خاصة {البراق}، وتحتكر هذه الشركة بعقود نقل الحجاج الليبيين، وقد بلغت ثروتها 20 طناً من سبائك الذهب في بداية التسعينيات. أما ابنه الأكبر فيسيطر على قطاعي البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية.  يضيف الكاتب أن النظام كرس طيلة فترة حكمه جهوده وأمواله لمحاربة المال الوطني، خصوصاً القطاع الخاص منه، فقد حارب رجال الأعمال الليبيين ممن كانوا في الساحة قبل حكمه، فزحف عليهم وصادر ممتلكاتهم، وبذلك يكون قد مهد الطريق لسيطرة القطاع العام على مجمل الأنشطة الاقتصادية.

يصف المؤلف إلقاء القبض على القذافي، حيث تقدم أحد الثوار، جمعة شعبان، نحو الماسورة التي كان يقبع فيها القذافي مختبئاً، وحاملا مسدساً ذهبياً في يده. فأمسك به وسحبه، في ظل صرخات القذافي المستغيثة، لكن الشاب قال للقذافي: {قتلت خالي فكيف أسامحك؟}. من هنا يشعر اشتيوى بالفخر، لأنهم كانوا قد فقدوا الأمل بقيام ثورة بسيطة في ليبيا، فالاحتمالات في هذا الاتجاه كانت ضعيفة أو معدومة، فالنظام حكم ليبيا بقبضته الحديدية التي استمرت 42 عاماً، اعتمد فيها سياسة الأمن الوقائي أو الاستباقي، التي تعني التدخل حتى قبل أن تولد الأفكار في الرؤوس. لكن الليبيين أجمعوا على التضحية، ولم يتخلف منهم أحد، كلّ قدم ما في استطاعته، لأجل تخليص ليبيا من الطغمة الحاكمة، لأجل خلاص ليبيا.