كيف جاءت لك فكرة «فبراير الأسود»؟

Ad

كتبت الفيلم في أعقاب ثورة يناير بعد تنحي مبارك مباشرة بأربعة أشهر، فقد وجدت أن بعد التحرر من نظام فاسد أصبح كل شخص يبدي رأيه حسب رؤيته الخاصة في برامج الحوارات بشكل غير علمي، فرغبت في تقديم أصحاب المناهج العلمية في أول صفوف العرض، لبيان أنهم يستحقون الاستضافة في هذه البرامج الحوارية كي يصيروا نماذج يحتذى بها للأجيال المقبلة، وقررت إظهار كيف يعيشون وأبرز المشكلات التي يعانون منها. والفيلم غير مقتصر على العلماء في مجال العلوم التطبيقية ولكن جميعهم من دارسي مناهج التفكير والبحث العلمي.

اعتاد المشاهد على أن مبررات الخروج من الوطن هي الفقر والبحث عن العمل ولكنك قدمت مبررا آخر في الفيلم، هل تعمدت ذلك؟

بالتأكيد؛ فالشعور بعدم التقدير الذاتي للمبدعين مبرر قوي يجعلهم يخرجون من الوطن، ولا يوجد ما يدفعهم إلى الاستمرار فيه مع شعورهم بالإهانة. حتى الأغنياء يسعون إلى أن يكون لهم مصدر رزق خارج مصر يعتمدون عليه وقت الشدة لأن معالم الفترة المقبلة غير واضحة.

حاول أبطال الفيلم الهروب من مصر مراراً، فهل ترى أن الهروب هو الحل؟

في الفن ثمة ما يسمى «ميكانيزم التكثيف»، أي العرض مع مزيد من المبالغة في «السخونة»، وهذا الحل ليس في صالح مصر ولكن في صالح الشخص ذاته. مثلاً، إذا ابتكر عالم ما علاجاً لمرض فيروس سي ويحتاج لتنفيذه إلى أدوات معينة لا تقدمها له الدولة فإنني كإنسان لا ألومه على سفره بل أطلب منه ذلك.

كيف ترى محاولات حسن وأسرته المستمرة في البحث عن «سند» لهم؟

تعاني هذه الأسرة «فوبيا» الإهانة، ما جعل أفرادها يبحثون عن شخص يصبح سندا لهم من خلال خطبة الابنة ريم (ميار الغيطي) تارة إلى ضابط شرطة وطوراً إلى ابن أحد القضاة، ومرة يرقصون لإقناع السفير الإيطالي بأنهم ينتمون إلى أحفاد رومان. ذلك كله سببه الدولة التي تركت الطبقة الوسطى للطبقة الدنيا وعاشت في منطقة بعيدة عنهما، ما جعل الأولى تتجه نحو الهروب أو البحث عن سند.

ما تعليقك على اعتبار البعض عرضك نماذج ضباط شرطة شرفاء مغازلة منك لهم؟

ليست مغازلة ولكن ليس مجال الفيلم التحدث عن مساوئ عمل الضباط، فضلاً عن أنني كنت حريصاً على الاحتفاظ بتفكير المشاهد ضمن السياق من دون الخروج عنه، والغرض من وجود الضباط إبراز علاقة الطبقة المتوسطة بأهل العدالة والثروة والسلطة.

ألا ترى في خطبة «ريم» أكثر من مرة تكراراً؟

تعمدت هذا التكرار؛ ففي فن الضحك أحداث يأتي تكرارها لغرض الإشارة إلى معنى «وهكذا دواليك».

ما الهدف من الخط الكوميدي الذي صاحب الأحداث؟

يفضل المزاج المصري متابعة أي مشكلة مع وجود بهجة خاصة؛ فإذا عرضت القضية بشكل واقعي جاف سيملّ الجمهور، وكل فيلم له صيغة تناسبه، والمناسب لهذه الفترة الكوميديا إلى جانب أن يكون المؤلف حكّاء جيداً لصناعة كوميديا سوداء تستوعب آلام المصريين بشكل مقبول لديهم.

إلى أي مدى استطاع الفيلم التعبير عن معاناة العلماء المصريين في الواقع؟

للأسف، الواقع أسوأ بكثير مما تم عرضه في الفيلم؛ واقع مزر والدليل الحادثة التي يتعرض لها الأبطال خلال محور الأحداث التي جمعت أشخاصاً من جهات سيادية وشرطة وعلماء وتمت التضحية بالفئة الأخيرة، ما يوضح كيف ترى الدولة علماءها رغم أنهم أصحاب الآراء والأفكار والإبداع.

ما الصعوبات التي واجهتها خلال التصوير؟

صعوبات خارجة عن إرادتنا من بينها الطقس الحار؛ فقد بدأنا التصوير خلال فصل الشتاء وتوقفنا قبل رمضان لارتباط الأبطال بأعمال تلفزيونية ثم عدنا في الصيف، فضلاً عن أن التصوير في الشارع المصري أصبح أمراً شاقاً للغاية.

كيف تستطيع عرض القضايا الاجتماعية من زاوية مختلفة عن الأعمال التي تناولتها سابقاً؟

أحرص على وضوح الهدف من الفيلم وعرضه بشكل مباشر واعترف بذلك؛ يهمني أن يكون الحدث وصناعته أمرين واضحين للجمهور، وكنت أظن أن ثورة يناير ستساعدنا كفنانين في تناول القضايا برحابة واتساع أكثر ولكن لم يحدث ذلك، فاضطررت إلى العودة إلى موقعي بعرض الحدث والحبكة والرسالة.

ما هي رسالة الفيلم؟

لفت انتباه أهل التنوير والقانون إلى معاناة العلماء من الطبقة الوسطى الفاقدة للحماية، ما يدفع أفرادها إلى البحث عما يسمى بـ «السند» متمثلاً في معرفته بمستشار أو ضابط شرطة أو مخابرات أو جيش يلجأ إليه عندما يقع في مشكلة لأنه غير محمي من الدولة التي تركته فريسة للطبقة الدنيا، وحصنت نفسها وقضت على فكرة عيش الشعب في مجتمع هادئ، مع التأكيد على أن الأبطال لم يطمحوا إلى هذا السند للتباهي والتفاخر به بل حفاظاً على الكرامة.

هل ضايقك تأجيل عرض الفيلم مراراً؟

لا، لأنني أعلم أن الظروف التي تمر بها البلاد هي السبب، ولكن بعدما رأت الشركة «العربية للإنتاج السينمائي» ألا أمل في تغيير الظروف قررت طرحه، وردود الفعل حتى الآن جيدة.

وما توقعاتك لمستقبل السينما؟

للأسف، ستتوقف صناعة السينما لاعتبار النظام أنها فن تافه، رغم ارتفاع الدخل القومي وعائد السياحة في تركيا بعد عرض مسلسلاتها في بلادنا، كذلك أميركا وأوروبا اللتان تعرف إليهما المشاهد العربي من خلال الأفلام الأجنبية. لدي مجموعة أفلام تنويرية تهم الناس، لكن الظروف الحالية لا تشجع المنتجين على ذلك. لا يوجد منتج عاقل ينفق خمسة ملايين جنيه على فيلم سيعود له منه نصف مليون لأن توزيعه تدنى في السوق الداخلي بعدما توقفت المحطات الفضائية عن شراء الأفلام مع عدم تسديدها ما عليها من ديون للمنتجين وتفرغها لتقديم برامج اكتشاف مواهب غنائية.