أثارت الانتفاضة المفاجئة للمجلس الحالي ضد الحكومة جملة من الاستغرابات سواء في التوقيت أو الموقف السياسي، خصوصاً قبيل إعلان قرار المحكمة الدستورية المرتقب بأربعة أسابيع فقط، فما السر في هذا الانقلاب السريع؟

Ad

يمكن في البدء اعتبار ما يحدث بصحوة الموت لهذا المجلس، حيث معظم التوقعات تتجه نحو إبطاله تماماً كما حدث مع المجلس السابق بغض النظر عن الحكم بدستورية مرسوم الضرورة، ومن هذا المنطلق فإن رحيل المجلس بقرار سياسي من خلال الحل هو أقصى ما يتمناه عدد كبير من أعضائه بدلاً من شطبه بقرار من المحكمة، والأفضل من ذلك هو أن يموت المجلس بطلاً بعد أن يستعرض عضلاته، لأن متلازمة العباءة الحكومية التصقت به بالصمغ المجنون، بحيث مهما حاول بعض النواب الترقيع والتبرير فإن الإجابة الحاضرة لأي سيناريو لا تتجاوز وصفها بالمسرحية.

ولكن تبقى هناك دوافع إضافية لهذا التحول منها أن المجلس حاول أن يثبت أنه صاحب إنجاز لحزمة من القوانين وخاصة ذات الكلفة المالية العالية، ويبدو أن هناك أوامر وصلت إليه بوجود فيتو على إقرار هذه القوانين الشعبوية؛ ولذلك لم يتبق سوى اللجوء إلى الاستجوابات لكسب التأييد الشعبي، خصوصاً أن أبواب الانتخابات باتت مشرعة قريباً حسب بعض القراءات السياسية.

ومن هذه الدوافع أيضاً المنافسة الشديدة بين الشيوخ أنفسهم على المرحلة القادمة، وواضح جداً أن من يقود جناح الصقور في مجلس الصوت الواحد الآن هم من المحسوبين بقوة على رئيس الوزراء السابق الذي بدأ، وبشكل متزامن مع انقلاب المجلس على الحكومة، بتحركات اجتماعية ميدانية لافتة ومكثفة وحضور إعلامي واضح.

ومن بين الدوافع الأخرى لخلق أزمة سياسية جديدة والدفع باتجاه حل المجلس محاولات العودة سياسياً إلى المربع الأول، حيث إن حل المجلس الحالي من شأنه أن يلغي الطعون سواء في المجلس أو بمرسوم الصوت الواحد، في مراهنة أخرى على تخلخل المعارضة وسحب مجاميع منها للمشاركة في انتخابات جديدة وفق نظام الصوت الواحد، ورفع نسبة التصويت حتى يتحول هذا النظام إلى واقع مقبول بدرجة أكبر من الانتخابات الأخيرة التي لم تتجاوز نسبة التصويت فيها الـ38%.

وما يؤكد في رأيي هذا التحليل هو توقيت التمرد على الحكومة والتنصل من مهلة شهر العمل الذي أعلنه المجلس نفسه حتى أكتوبر القادم من جهة، وأطراف الاستجوابات المعلنة، حيث تقلصت من ستة استجوابات لعدة وزراء ومن قبل مجموعة من النواب من توجهات مختلفة، ولكن تمت تصفيتها لتشمل فقط وزيرين ليسا محسوبين على الحكومة السابقة في حين أن النواب المستجوبين هم ممن كانوا من المقاتلين في الصف الأول دفاعاً عن الرئيس السابق!