كركوك تزدهر وسط بحر من الفساد والعنف
بعد عشر سنوات على الغزو الأميركي، لا يزال العراق غارقاً بالعنف الطائفي والفقر والفساد. لكن نجحت مدينة كركوك الشمالية في تحدي التوقعات وأصبحت نموذجاً للمصالحة الإثنية الداخلية والحكم الفاعل نسبياً.
كان الوضع ينذر بيوم هادئ. وقف حارس على خط المواجهة على مسافة 80 كلم من جنوب كركوك في شمال العراق. كان الرجال الآخرون يشربون الشاي تحت خيمة وينتظرون أي هجوم محتمل من «قوات دجلة»، جيش قادم من بغداد يخضع لقيادة رئيس الحكومة نوري المالكي شخصياً.
كان الوضع ينذر بيوم هادئ. وقف حارس على خط المواجهة على مسافة 80 كلم من جنوب كركوك في شمال العراق. كان الرجال الآخرون يشربون الشاي تحت خيمة وينتظرون أي هجوم محتمل من «قوات دجلة»، جيش قادم من بغداد يخضع لقيادة رئيس الحكومة نوري المالكي شخصياً.
كان المقاتلون الأكراد ينتظرون في ذلك الموقع فوق التلة لأكثر من ثلاثة أشهر. في البداية، حفروا الخنادق. ثم جلبوا الدبابات والصواريخ المضادة للطائرات إلى الموقع. بعد ذلك، جرّوا الأفران وأجهزة التلفزيون والسجادات إلى التلال.تتمركز «قوات دجلة» في أسفل الوادي. يقول الجنرال الكردي محمد سيدر: «هم أكثر تجهيزاً من الناحية العسكرية، لكننا قوات «البشمركة» (المقاتلون الأكراد الذين لا يخشون الموت) ونحن لا نستسلم. عند الاقتضاء، سنعود إلى الجبال وسنحارب كوحدة متماسكة!».
على المستوى الرسمي، تم إرسال جيش رئيس الوزراء إلى كركوك في أواخر السنة الماضية لمحاربة الإرهاب. كانت مهمة آلاف الجنود ضمن «قيادة عمليات دجلة» تقضي بفرض السيطرة على المدينة.سارعت حكومة إقليم كردستان إلى تعبئة قواتها الخاصة ويتواجه الجيشان منذ ذلك الحين مع أنهما ينتميان إلى قوى الأمن التابعة للبلد نفسه ويعترف قادتهما بالرئيس نفسه جلال طالباني. لكن يتلقى طالباني الآن العلاج في عيادة لإعادة التأهيل في ألمانيا بعد أن تعرّض لجلطة دماغية خطيرة وبالكاد يستطيع الكلام.بعد عشر سنوات على إقدام الولايات المتحدة وحلفائها على غزو العراق وإسقاط الدكتاتور السابق صدام حسين سريعاً، وبعد سنوات من الحرب الأهلية والسلام الصعب، تجددت الانقسامات بين العراقيين المستعدين للقتال وقد أصبحوا جاهزين لإطلاق النار على بعضهم البعض. بعد الانسحاب من العراق في أواخر عام 2011، كان الأميركيون يأملون أن يتركوا وراءهم بلداً ديمقراطياً. وفق منطق التفكير هذا، كان يُفترض أن يساهم احتياطي النفط العراقي الهائل في ضمان السلام والازدهار للبلد بكل سهولة. في بداية عام 2013، تجاوز إنتاج النفط العراقي 3 ملايين برميل في اليوم وتفوّق بذلك على الإنتاج الإيراني.لكنّ العائدات التي تبلغ مليارات الدولارات لا تصل إلى المواطنين العاديين ولا يزال العراق يفتقر إلى السلام، حتى بعد مرور عقد على بدء الحرب. ترتكب العصابات المتناحرة التي تشبه المافيا جرائم قتل كثيرة، ويستفحل الفساد في أنحاء البلد، وتنفجر القنابل بشكل شبه يومي. يوم الثلاثاء وحده، قتلت 20 قنبلة تقريباً 65 شخصاً على الأقل. في غضون ذلك، لم تعد واشنطن تتمتع بأي نفوذ للتأثير على ما يحصل في بغداد. ومع أن القيادة الشيعية الإيرانية تدعم المالكي، تبقى سيطرتها محدودة على الأحداث الحاصلة.نقطة الانهياركركوك مدينة تتعدد فيها الانتماءات الإثنية، وعمرها آلاف السنين، ويطالب بها الأكراد والعرب والتركمان على حد سواء. كان المحتلون الأميركيون قد اعتبروها نقطة الانهيار المتوقعة في العراق الجديد. توقعوا أن تبدأ مختلف الجماعات في هذه المنطقة التي تُعتبر «نسخة من القدس داخل بلاد ما بين النهرين» بمهاجمة بعضها البعض بعد انسحاب القوات الأميركية.تم اكتشاف أول بئر نفط في كركوك في عام 1927.صحيح أن مختلف الأطراف لا تزال متخاصمة بسبب مشاكل حول تسجيل الناخبين، لكن يتراجع اهتمام السكان بهذه المسألة. يقول مراح صلاح، ميكانيكي تركماني: «كل ما نريده هو عيش حياة طبيعية. نريد الحصول على فرص عمل وكهرباء وأمن وخدمة فاعلة لجمع النفايات». ثم يضيف مبتسماً: «... كي نتمكن من تنظيم حفلات شواء في نهاية الأسبوع!».يقول دلاور عبد العزيز، صيدلي كردي: «بعد صدام، كنا نحتاج إلى بعض الوقت كي نستعيد حياتنا الطبيعية. ساد خوف عميق وانعدمت الثقة بين الجميع. اليوم، عاد الناس يثقون ببعضهم البعض مجدداً. لا شك أن الاعتداءات تطرح مشكلة لكنّ الإرهابيين ليسوا من هنا طبعاً».نزع فتيل الصراع في كركوكلا يسيطر الأكراد ولا العرب ولا التركمان وحدهم على كركوك وسكانها (900 ألف نسمة). لكن أدى هذا الوضع على الأرجح إلى إبقاء الوضع مستقراً نسبياً في المدينة التي بقيت تختبر قدرتها على التعايش طوال قرون. بالإضافة إلى الجماعات الإثنية الأساسية الثلاث، هذه المدينة هي موطن جماعات دينية أخرى مثل اليزيديين والكاكاي والمسيحيين الآشوريين. اليهود هم الجماعة الدينية الوحيدة التي غادرت كركوك خلال الخمسينات.حين تُجبَر الجماعات المتخاصمة على عقد التسويات، تتمثل النتيجة بفرض الضوابط والتوازن. ربما يتعلق سبب آخر لاستقرار المدينة بواقع أن سكان كركوك تخلصوا من حاكمهم الفاسد منذ سنتين وانتخبوا حاكماً جديداً يحمل لقب «الجرافة».عمد نجم الدين كريم، جراح أعصاب كردي عاش في الولايات المتحدة طوال 35 سنة، إلى طرد مسؤولين فاسدين وبناء طرقات وجسور وإنشاء سوق جديدة، كما أنه وفر بضعة آلاف الوظائف الإدارية الموقتة. لم ينجح كريم في إنهاء الصراع في كركوك ولكنه نزع فتيله على الأقل. يقول كريم، وهو رجل في منتصف الستينات: «يجب أن نعامل الجميع كمواطنين وهو أمر فشلنا في تطبيقه في الماضي».حتى القادة السُّنة من عهد الدكتاتور السابق صدام حسين، أي الأطراف الخاسرة في عام 2003، عقدوا السلام مع الأكراد على ما يبدو. إنها مفارقة بارزة في كركوك حيث طرد صدام عشرات آلاف الأكراد بعد انتفاضة فاشلة في التسعينات وجلب السُّنة من الجنوب للاستقرار هناك.رغم القنابلفي حي اسمه «90» تيمناً بالسنة التي سمح فيها صدام باستقرار السُّنة هناك، انفجرت سيارة مركونة أثناء مرور شاحنة شرطة في المكان. قُتل شرطيان فوراً وتعرض خبير مدفعيات تركماني على السطح وجاران آخران لإصابات بليغة. استعمل ضابط شرطة قدمه لإزاحة بقايا سترة واقية من الرصاص فوق بركة دم الرجل الذي كان يرتدي السترة وقال: «ليرحمه الله».بعد يومين فقط، شاهدت دورية أثناء مرورها رجلين وهما يضعان المتفجرات في سيارة أجرة. فتح الرجلان النار قبل أن يتمكن الضباط من الخروج من سيارتهم. أطلق الشرطيون النار بدورهم وأصابوا أحد الرجلين. ثم انفجرت قنبلة وشعر الضباط بالتوتر. فسأل أحدهم: «ما هي كمية المواد المتفجرة المتبقية في السيارة إذا كانوا مجانين بما يكفي لإطلاق النار علينا؟».حاصر الرجال سيارة الأجرة. سار خبير تفكيك القنابل ببطء نحو السيارة وكان يرتدي سترة واقية، ثم ربط شحنة متفجرة صغيرة بالصندوق بواسطة شريط لاصق لتفجير كل ما تبقى في سيارة الأجرة. وقع انفجار قوي وخلّف حفرة في مكان الصندوق. طار غطاء الصندوق نحو حديقة وهبط مُحدثاً ضجة كبيرة. لكن تبين أن السيارة لم تكن تحتوي على أي متفجرات أخرى.حين هدأ الوضع، أومأ الضابط برأسه فتقدم الضباط. كانت جثة السائق المقتول ممددة على طول المقاعد. سحبه الرجال إلى الشارع من ذراعيه وساقيه وتركوا الجثة هناك إلى أن وصلت سيارة إسعاف لنقله. حين وضعه المسعفون على نقالة، صرخ ضابط شرطة: «يجب أن تحرقوه! احرقوه!».تهز التفجيرات المدينة منذ 10 سنوات تقريباً. كانت تستهدف مراكز الشرطة والمكاتب الحزبية، فضلاً عن المدارس والمتاجر ومفترق الطرقات. الرعب لا يتوقف هنا ولكنه لا يدفع الجماعات الإثنية إلى التقاتل في ما بينها أو ارتكاب مذابح منظمة ضد جماعات معينة. بل إنه يولد مزاجاً جماعياً يدعو إلى تحدي الوضع.دابي هو بائع كحول مسيحي لم يشأ الكشف عن شهرته ولا صورته. كان يجلس أمام حاجز من القناني ويقول إن متجره تعرض للهجوم أربع مرات في السنوات الأخيرة: «دمر الانفجار الأخير شحنة كاملة من مشروب «جوني ووكر». ربما يجب أن أهاجر لكنّ جميع أصدقائي هنا: سرغون، دلاور، علي، جورج». قام بتعداد لائحة أسماء من مختلف الجماعات الدينية والإثنية. ثم أضاف قائلاً: «كركوك هي مدينتي وأنا لا أريد مغادرتها!».فساد وفوضى على رغم الاعتداءات المريعة، يزداد زخم التطور في المدينة. ثمة فنادق ومباني سكنية قيد البناء وأصبح مصنع جديد للطاقة قيد التحضير. صحيح أن إدارة المحافظة تُعتبر أبرز من يوفر فرص العمل وأهم جهة متعاقدة، ولكنها تعمل على الأقل تحت سلطة الحاكم كريم الذي لم يتّهمه أحد بالفساد، وهو يعكس حالة استثنائية بين السياسيين العراقيين.يتم تمويل جميع مشاريع البناء تقريباً في كركوك بفضل عائدات البترول: تتلقى إدارة المحافظة دولاراً واحداً مقابل كل برميل نفط يتم إنتاجه بموجب اتفاق تم التفاوض عليه بين المحافظات التي تنتج النفط والحكومة المركزية. في عام 2012، ارتفعت حصيلة العائدات إلى 351 مليون دولار في كركوك. صحيح أن مدينة البصرة الواقعة في جنوب العراق الغني بالنفط تتلقى حوالى ضعف تلك العائدات، لكن لا تزال المدينة تعيسة جداً، باستثناء قيام بعض المباني الفخمة. تتوافر الكهرباء لبضع ساعات في اليوم.في شهر يناير، حين أمطرت طوال أيام في بغداد، فاضت المياه في الشوارع لا سيما في الأماكن التي يُفترض أنها شهدت تركيب أنابيب جديدة لمياه الصرف الصحي في السنوات الأخيرة بكلفة 7 مليارات دولار. لكن تبين أن الأنابيب لم يتم تركيبها مطلقاً. فقد انقضّ الوزراء والعاملون في الخدمة المدنية والحكام على الخزينة العامة من دون حسيب أو رقيب.يحتل العراق المرتبة 169 من أصل 174 دولة على لائحة «مؤشر مدركات الفساد» من تصنيف منظمة الشفافية الدولية. منذ خمس سنوات، شهد موظف في السفارة الأميركية خلال جلسة استماع أمام الكونغرس الأميركي في واشنطن بأن المالكي أصدر أوامر سرية للجنة معنية بمكافحة الفساد وأبلغها بأن التحقيقات التي تخصّه أو تخص مسؤولين حكوميين بارزين يجب ألا تصل إلى المحاكم.بلغ الفساد الآن مستويات وبائية بحسب قول مقاول من بغداد. شرح هذا الأخير ضرورة دفع «رسوم» تتراوح نسبتها بين 5% و10% من مجموع قيمة المشروع عند إبرام أي عقد. حتى طلبات المناقصات للعقود الحكومية الكبرى تتألف في أغلب الأحيان من صفحة ونصف تعج بمعلومات مبهمة. بحسب قول المقاول، ما من «معلومات محددة وتكثر الأخطاء في التقرير»، كما أن البحث عن الشوائب يبدأ في وقت التفتيش: «عند تسليم حفارة صفراء مثلاً، يدّعون أن لونها كان يجب أن يكون برتقالياً. هم يجدون خطأً ما دوماً». من دون تفتيش ما من إنتاج، ومن دون رشوة لا يمكن أن تحصل أي عملية تفتيش.لكن لم يكن المالكي هو من ابتكر الفساد بحسب رأي المقاول. هو يشير إلى أن الوزارات التي يسيطر عليها حزب الصدر تكون جشعة بالقدر نفسه. في ما يخص حكومة إقليم كردستان في الشمال، هو يؤكد على عدم وجود أي صفقات عمل لا تشمل العائلات الحاكمة.من وجهة نظر المقاول، يسمح المالكي بالفساد ويستعمله لأغراضه الخاصة. هو يطرد كل من يزعجه من منصبه بعد اتهامه بالإرهاب والفساد، بما في ذلك رئيس اللجنة الانتخابية الذي كان يُعتبر نزيهاً فضلاً عن رئيس البنك المركزي. في المقابل، كل من يتمتعون بحماية المالكي، مثل وزير التجارة السابق، اختلسوا على الأرجح ملايين الدولارات لكن لا أحد يحاسبهم. في قضية وزير التجارة السابق، وحده قاضي التحقيق أُقيل من منصبه.يقول فريد جاسم حمود، عميد كلية الحقوق في جامعة كركوك: «تستفحل ثقافة الفوضى في العراق. لا أحد يثق بأي حزب بعد الآن ولم تعد غالبية الشعب تصوّت لأحد. أنا لا أنتخب أيضاً. ما النفع من ذلك؟ أصبحت ثروتنا، النفط، بمثابة لعنة. فهي تعيقنا وتولّد سياسيين جشعين ما عادوا يحتاجون إلى الشعب من أجل الاغتناء. بل إن الشعب بات يقف في طريقهم».رعب في الاحتفاليوم الأحد من منتصف شهر مارس هو يوم تنكري تقليدي في جامعة كركوك. صحيح أنه عيد كردي في الأصل، لكن شجع عميد كلية العلوم الإنسانية جميع الطلاب على القدوم بأزيائهم التقليدية. فحضرت نساء كرديات بملابس مصنوعة من مواد لامعة وألوان زاهية إلى حرم الجامعة، إلى جانب رجال ارتدوا السراويل التركية الفضفاضة مع أحزمة منقوشة وأحذية قماشية بيضاء.وضعت النساء التركمانيات قبعات وأوشحة على رؤوسهن وكنّ أشبه بالنساء في محكمة عثمانية. في ما يخص الطالبات المنقبات في ندوة عن الشريعة الإسلامية، لا أحد يعلم إذا كنّ فهمن رسالة العميد جيداً.تجوّل مئات الطلاب بين حقول الزهور وراحوا يتمازحون على مقاعد الحديقة ويلتقطون الصور. صحيح أن عدداً قليلاً من الطلاب تحلى بالشجاعة للمجيء بالرداء الأسود الرقيق الذي يرتديه العرب السُّنة مع طرف ذهبي ووشاح على الرأس وشريط أسود، لكن طُلب منهم الوقوف لالتقاط صور جماعية عدة لهم. قال رجل تركماني ضاحكاً: «لن نتصور من دون شيخنا».كان يمكن أن يمر ذلك اليوم بهدوء. لكن قبل فترة قصيرة من بدء الاحتفال، تعرض منظم احتجاجات يوم الجمعة، بنيان صبار العبيدي، لإطلاق نار في سيارته في وسط مدينة كركوك. خلال احتجاج يوم الجمعة الذي نُظم قبل بضعة أيام، تحدث العبيدي عن نشوء مناخ جديد من التضامن. أعلنت السلطات لاحقاً أن القتلة هربوا من دون التعرف عليهم.تنامي نفوذ المالكياحتشدت جماعة من السُّنة لتنظيم تظاهرة يوم الجمعة أمام مدرج في ضواحي المدينة. راحوا يقولون: «كما يحصل في القاهرة». لكن لم يجتمع 1100 محتج هناك لمعالجة مسائل مرتبطة بالسلطة في كركوك. بل هتف الرجال: «نريد العدالة! حاربوا القمع! حاربوا دكتاتورية المالكي!».يتذكر بنيان صبار العبيدي، أحد منظمي التظاهرة: «لا يُسمَح للسُّنة بعد الآن أن يصلوا إلى مناصب الضباط ولا يُسمح للأعضاء السُّنة السابقين في حزب البعث أن يعودوا إلى مناصبهم. المالكي يعيّن الشيعة في جميع المناصب. هذه ليست ديمقراطية». بحسب رأيه، كانت العلاقة مع الأكراد صعبة في الماضي وشعر السُّنة بقلق شديد من أن يطردهم الأكراد عند عودتهم إلى كركوك: «لكن حُلّت هذه المشكلة. اليوم، نحن نخاف جميعاً من دكتاتورية المالكي».يتراجع اهتمام المالكي بالديمقراطية في العراق. كان يُعتبر في البداية مسؤولاً ضعيفاً ولكنه أثبت أنه شخص تكتيكي حذق. حين كان لا يزال تحت رعاية الولايات المتحدة، استولى على شبكة من السجون السرية ومراكز التعذيب التي أنشأها الأميركيون. ثم طور ووسّع وحدات شيعية خاصة مثل «ألوية الذئب والنمر» فضلاً عن ميليشيات أخرى.ألغى المالكي التوازن الذي رسخته واشنطن ضمن قيادة الجيش من خلال إنشاء وحدات عسكرية جديدة تخضع لقيادته، حتى أنه أنشأ قوة جوية ثانية تتألف من المروحيات. منذ الانتخابات الأخيرة في عام 2010، تولى المالكي منصب وزير الداخلية ووزير الدفاع بالإضافة إلى دوره كرئيس وزراء.أنشأ حديثاً «قوات دجلة» تحت قيادة جنرال من حقبة صدام وهو يبدو نسخة عن الدكتاتور الراحل: له الشارب المتدلي نفسه، والخدود الممتلئة نفسها، وتعابير الوجه عينها.تجدد الصراع الإثنيلكنّ الإرهاب الذي نشأت «قوات دجلة» لمحاربته لم يخفت في محافظة ديالى. يقول قائد شرطة محافظة كركوك سرهد قادر: «ازداد عدد الاعتداءات الآن في ديالى وبدأ الأمر نفسه يحصل هنا».كان قادر أحد المستهدفين في الاعتدائين وتعرض لإصابة في الاعتداء الثاني. هو يقول: «لم نشهد أي تفجير انتحاري هنا منذ ثلاث سنوات وها هي تتجدد الآن».يهز قادر كتفيه ويقول إن الإرهابيين هم خليط غريب من جماعات متنوعة: «هم يجمعون أموال الحماية وينظمون عمليات الخطف. وفي الأسبوع الماضي، كانت «القاعدة» وجماعة «أنصار السُّنة» تتبادلان إطلاق النار في الجزء الجنوبي الغربي من المحافظة. فقد نشأ خلاف بينهما بسبب أموال الفدية». يوضح قادر: «غالباً ما يكون الانتحاريون الذين يستعملهم الإرهابيون من الأطفال، وإلا قد يدفعون المال إلى أشخاص كي يزرعوا القنابل».* كريستوف رويتر | Christoph Reuter