موت التكريم!
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
الدول المتقدمة، والشعوب الحية تُقيم وزناً للإبداع وللجهد الإنساني الخلاق، وتميّز بين من يعمل لنفسه وجيبه وحضوره الاجتماعي الكريه، وبين من يُخلص من أبنائها لفكر أو قضية أو مبدأ أو صنعة أو فئة من الناس، ويتفانى في سبيل ذلك. ولذا تكرّم تلك الدول أبناءها أثناء حياتهم لتبعث السرور في قلوبهم، وتزيد من توقد جذوة العطاء فيها، وليمشي المفكر والمبدع مرفوع الهامة بين أبناء شعبه، مزهواً بعطائه ومعاهداً نفسه على المزيد منه. ما الذي يجنيه المفكر أو المبدع، الذي يعاني بؤس العيش وربما القهر والذل والتهميش وحتى السجن والنفي، ما الذي يجنيه بعد موته من تكريم كاذب لا معنى له، وإطلاق اسمه لتخليده على شارع أو مدرسة أو قاعة أو معهد؟مشهد مؤلم وموجع يتكرر في كل العواصم العربية، في احتفالات التكريم، حين يُنادى على اسم المكرَّم وتضج القاعة بالتصفيق، ووحده ذاك المكرم أما أن يجرّ أقدامه متكئاً على عصا تسند خطواته، أو يجلس على كرسي متحرك، أو يتفضل، بلفتة إنسانية بأن ينزل المسؤول من خشبة المسرح لتكريم المبدع الذي عجز عن الصعود للخشبة. وقد يكون المشهد أكثر دلالة حين يأتي أحد أبناء المكرم لاستلام شهادة تكريمه نيابة عنه بعد موته!نحن شعوب متخلفة أقل من أن نعترف لذوي الفضل بفضلهم! وأقل من أن نعترف للمفكر والمبدع بفكره المستنير وإبداعه المتجدد، بل إننا نسعى بهمة لتنغيص حياته والتضييق عليه وتهميشه وربما محاربته، لا لشيء إلا لأنه مفكر أو مبدع! وأبسط ما يمكن أن يُقال في ذلك هو أن المفكر بفكره النيّر، والمبدع بإبداعه الصارخ، إنما يكشف كلاهما عن تخلفنا وضعفنا وسقوطنا، وعجزنا عن تذوق وتقبّل وفهم ما هما بصدده. إن إبداع المفكر والمبدع يفضح تخلف الآخرين، ولذا يسعى الآخرون إلى طمس وجوده ومحاربته، ولا يعترفون له بجهده إلا بعد موته!إن للكويت سمعة فكرية وثقافية وفنية كبيرة في وسط محيطها الخليجي والعربي، ومؤكد أن هذه السمعة لم تأت من فراغ، وأنها جاءت بفضل جهد أبنائها المخلصين، وليس أقل من أن نكرم هؤلاء أثناء حياتهم وأثناء حضورهم الإنساني الجميل، وليس حين يأكل المرض أجسادهم، ويغيبهم الموت!