تكريس النسوية: خطاب شعري جديد (3)
![د. نجمة إدريس](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1511191571908366400/1511191591000/1280x960.jpg)
إن مشكلة التوجس من قبول المرأة الشاعرة والشك في قدراتها والتردد إزاء ما تطرحه من قيم شعرية جديدة يكاد يتكرر في مثال فدوى طوقان أيضاً. فرغم ما لهذه الشاعرة من تهاويم ذاتية غاية في الرهافة والأنوثة، ومن شجن حميم، وتوجّه مشبوب نحو الحب والموت وعبثية الحياة، إلا أن كل ذلك لم يقدمها كشاعرة ذات نَفَس إنساني بقدر ما قدّمها موضوع القضية الفلسطينية كمناضلة ومُقاوِمة في حزمة شعراء المقاومة الرجال! إن القضية الفلسطينية هي التي أعطت شعرها وَهْجَه وأهميته الموضوعية على مستوى المشهد الثقافي الأدبي حين جعلت هذه القضيةُ الشاعرةَ ممتثلةً وخاضعة للنسق الثقافي المرغوب ذي القيم الذكورية. والطريف أن الإطار (الموضوعاتي)، وهو القضية الفلسطينية، بكل ما فيه من إغراءات المُباشَرَة والتوجه للعموم والنفرة نحو تجييش العواطف القومية، وكلها بضاعة ذكورية، هو الذي ضمن القبول للمرأة الشاعرة في فدوى طوقان حين خضعت لهذه المعايير، وليس أي شيء آخر ذي علاقة بهويتها الأنثوية! وقد اتضح لدى الشاعرة ذلك الشعور الحاد بالانسحاق والعجز إزاء تلبية هذا الشرط الثقافي حين تتحدث في سيرتها الحياتية عما عانته من صراع مرهق وكدح عسير للمواءمة بين ذاتيتها المقموعة المكبلة بالقهر والقيد وبين ما يطلبه واقعها الثقافي والسياسي من واجبات وما يفرضه عليها من خطاب شعري لا تجد نفسها فيه:"كان أبي يأتي إليّ طالباً مني كتابة الشعر السياسي. وكان صوت في داخلي يرتفع بالاحتجاج الصامت: كيف وبأي حق أو منطق يطلب مني والدي نظم الشعر السياسي وأنا حبيسة الجدران؟ لا أشارك في معمعة الحياة، حتى وطني لم أكن قد تعرفت على وجهه بعد، إذ لم أكن أعرف مدينة أخرى غير نابلس... كان أبي يطالبني بالكتابة في موضوع بعيد عن اهتمامي كل البعد، وليس له أية علاقة بالحركة النفسية في داخلي، فكان يطغى عليَّ الشعور بالعجز، وحين آوي إلى فراشي أسلم عينيّ للبكاء... لقد كنتُ معزولة عزلة تامة عن الحياة الخارجية، وكانت تلك العزلة مفروضة عليّ فرضاً ولم أخترها بإرادتي. فالعالم الخارجي كان (تابو) محرماً على نساء العائلة... وأصبتُ بمرض بغض السياسة. ففي هذه المرحلة بالذات عانيت صراعاً نفسياً وفكرياً حاداً. كنت أحاول الاستجابة إلى رغبة أبي لكي أرضيه وأكسب محبته، ولكن أعماقي كانت تحتج وترفض وتتمرد. إذا لم أكن متحررة اجتماعياً فكيف أستطيع أن أكافح بقلمي من أجل التحرر السياسي أو العقائدي أو الوطني ؟".