الفوز في الشرق الأوسط

نشر في 30-12-2012
آخر تحديث 30-12-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت يعكف المحللون في أنحاء العالم المختلفة على تقييم الوضع في الشرق الأوسط في عام 2012 من خلال حصر "الفائزين" و"الخاسرين" في المنطقة. فقد فازت حماس، وفاز الرئيس المصري محمد مرسي، ثم خسر. وفازت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وخسرت سورية، وخسر العراق، وتعادلت إيران (فالعقوبات المفروضة عليها أصبحت أكثر صرامة، ولكنها باتت أقرب إلى اكتساب القدرة على تصنيع الأسلحة النووية)، وكذلك كانت حال المملكة العربية السعودية (حيث تزايد نفوذها، ولكنها غير قادرة على وقف أعمال القتل في سورية وغزة) وإسرائيل (التي تجنبت إراقة الدماء الغزيرة، ولكنها أصبحت أكثر عزلة).

بيد أن كل هذه القوائم ليست أكثر من تسلية يتلهى بها خبراء السياسة. ففي مستنقع الشرق الأوسط الدموي العدائي، يُعَد اعتبار أي شخص "فائزاً" بأي وجه من الأوجه تدليساً. فالمنطقة لا تكف عن إنتاج الخاسرين فقط. وضحايا الصراعات في سورية، والعراق، وإيران، وفلسطين؛ وأصدقاء وأسر الضحايا؛ وهؤلاء الذين يطمحون إلى السلام: كل هؤلاء خاسرون. وهذا بمنزلة تَذكِرة قاسية لنا بأنه عندما يتصل الأمر بقتل الناس بعضهم بعضاً، وإهدار فرص السلام مراراً وتكراراً، وتخريب كل الجهود الرامية إلى إحراز أي تقدم، فإن لا أحد يستطيع أن يتفوق على الشرق الأوسط في هذا السياق. وفي عام 2012، أثبتت المنطقة مرة أخرى أنها الأفضل حقاً في ارتكاب كل ما هو أسوأ.

متى تكف هذه البلدان المفعمة بالحيوية، والمتنوعة، والمزدهرة (أو التي تحمل كل إمكانات الازدهار) عن اقتتالها الضاري وتبدأ في احتضان وحماية ودعم شعوبها؟ على الرغم من كثرة الوصفات والاجتهادات، فسأقدم لكم تلخيصي لمشاكل الشرق الأوسط في عام 2012، مع نظرة نحو ما يجب أن يحدث في 2013 إذا كنا نريد لهذا العام الجديد أن يجلب قدراً أقل من الخسائر.

يتعين على آلة القتل الإسرائيلية أن تتوقف بضغط من الولايات المتحدة الحازمة التي ينبغي لها أن تستخدم نفوذها لتمكين تطبيق مبادئ الأرض في مقابل السلام المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 وقراره رقم 338، ومؤتمر مدريد، واتفاق أوسلو، ومبادرة الملك عبدالله للسلام. وهذا هو السبيل الوحيد للخروج من المأزق العسير الحالي.

وهنا أستعير أحد مصطلحات الاستراتيجية النووية، فأقول إن الموقف بين إسرائيل والفلسطينيين لا يمكن وصفه إلا باعتباره "الدمار المتبادل المؤكد"، أو ما يعرف اختصاراً وبشكل ملائم تماماً في اللغة الإنجليزية بـِ(MAD). وهذا من غير الممكن أن يعود على أي من الأطراف بأي فائدة، فلماذا إذاً سمح له بالاستمرار؟ إن الولايات المتحدة وحدها هي القادرة على دفع الإسرائيليين إلى التراجع عن "جنونهم"، لذا فأنا أتطلع إلى إدارة أوباما وإدراكها لهذا الالتزام الأخلاقي والعمل بموجبه في العام المقبل.

ولابد أيضاً من وقف آلة القتل التي يديرها الأسد في سورية. وفي هذه الحالة، يمكن تحقيق هذه الغاية من خلال اتفاق الغرب مع المملكة العربية السعودية على تسليح الجيش السوري الحر بالأسلحة الدفاعية التي يحتاج إليها لمنع طائرات بشار الأسد من التحليق وشل دباباته ومدفعيته. وخلافاً لبعض الصراعات في المنطقة، فإن هذه الحالة لا تحتاج إلا إلى حل واضح وبسيط. فالواقعون تحت الهجوم يحتاجون فقط إلى الأسلحة الكفيلة بتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم؛ وإذا حصلوا على هذه الأسلحة، فإن ديناميكية الصراع بالكامل ستتحول، وبالتالي تتوقف إراقة الدماء.

الآن، أصبحت كل الأطراف الفاعلة في سورية معروفة. فلا يوجد هناك جهاديون مستترون، أو إرهابيون، أو رجال عصابات. فجميع الأطراف موثقة بشكل جيد. وبالتالي فإن المعتدلين وحدهم هم من ينبغي لهم أن يحصلوا على الأسلحة المضادة للطائرات والمضادة للدبابات. وبحصولهم على هذه الأسلحة فإن مكانتهم سترتفع بين المجموعات المقاتلة الأخرى، وهذا من شأنه أن يدعم موقفهم المعتدل.

ولابد أن يتوقف التدخل الإيراني في العراق. فهو يمزق العراق إرباً ويهدد الدول المجاورة له. ويتعين على الدول الغربية وإيران سحب تأييدها لحكومة نوري المالكي، التي تسيطر عليها ميليشيا الباسيج الإيرانية، وذلك لتمكين الشعب العراقي من تقرير مصيره بحرية. فهل دَحَر الأميركيون صدّام حسين، وهل مات أكثر من مئة ألف عراقي في هذه العملية، فقط لكي تتحول بلادهم إلى دمية في يد النظام الإيراني العدواني؟ ويجب أن يتوقف أيضاً تدخل إيران في البحرين، والكويت، واليمن، وغيرها من دول الخليج.

وبالإضافة إلى هذه المهام الرئيسية، يتعين على المتنافسيَن الأساسيَين في فلسطين، "حماس" و"فتح"، أن يتصالحا وأن يوجها جهودهما الموحدة نحو تحسين حياة الشعب الفلسطيني. وينبغي لمصر أن تتغلب على مجادلات ومشاحنات ما بعد الثورة وأن تعود إلى استئناف دورها الرائد بين الدول العربية. كما يتعين على كل الدول العربية أن تعمل على تنسيق جهودها من أجل تحقيق الطموحات المشتركة، بدلاً من الاستمرار في ملاحقة المصالح الوطنية الضيقة فحسب.

وفي القلب من كل هذه المهام يقف مجلس التعاون الخليجي الملتحم في هيئة اتحاد كونفدرالي قادر على التصدي للتحديات المتمثلة في طموحات إيران الإقليمية وجلب قوات عسكرية كبيرة للتعامل مع الصراعات الإقليمية. وإذا كان العام الماضي قد حمل معه شيئاً واضحاً، فهو أن الدول مثل إسرائيل وإيران وسورية ستتصرف كما يحلو لها وبلا خشية من عقاب إذا لم يكن أحد مستعداً وراغباً وقادراً على التصدي لها. والآن حان الوقت لكي يضطلع بهذا الدور مجلس التعاون الخليجي الذي تشكل قوة المملكة العربية السعودية ركيزة له.

لقد ظل الشرق الأوسط يخسر بلا انقطاع لفترة طويلة للغاية، وذلك لأن زعماءه الوطنيين كانوا يسعون دائماً إلى الفوز كل منهم على طريقته، ولتحقيق أغراضه الخاصة، وعلى حساب الجميع فيما عداه. ولكن مثل هذا النهج الأحادي بات مستحيلاً في عالم اليوم الخاضع للعولمة. ويتعين علينا أن نوحد جهودنا، وإلا فإننا سنمزق بعضنا بعضا. والاختيار بسيط: فهل نريد أن نكون من الفائزين أم الخاسرين؟

* تركي بن فيصل آل سعود ، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وكان يشغل منصب مدير عام المخابرات العامة في المملكة العربية السعودية في الفترة 1977-2001، كما شغل منصب سفير المملكة العربية السعودية إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top