إلى أيّ مدى تتفق أو تختلف مع مقولة «التطرف تصنعه السياسة ويتحمله الدين»؟

Ad

اختلف مع هذه المقولة؛ فلا السياسية هي التي تصنع التطرف، ولا الدين هو الذي يتحمله، لكن ما يصنع التطرف حقاً المعرفة السطحية بعلوم الإسلام، ثم نشأت الجماعات المتطرفة تحت وطأة التعذيب وأفكار أصحابها الذين تعاملوا بها مع المجتمع، فأتت ردة فعل المجتمع عنيفة أحياناً وهادئة أحياناً أخرى. الأمثلة على ذلك كثيرة، فقد ظهرت الجمعيات الإسلامية التي اعتبرت نفسها موازية للأزهر، إلا أن القيمين عليها لم يكونوا بعلم الأزهريين، مثل «الجمعية الشرعية» التي يرى البعض أنها لا تعبر عن فكر متطرف، إلا أنها في بدايتها كانت متطرفة للغاية.حتى إن أعضاء في الهيئة الشرعية كانوا يكفرون الآخر ويحرمون المؤسسات المدنية كالمدارس مثلاً التي يرونها خارجة عن الإسلام، ثم خلفتهم أجيال داخل الجمعية الشرعية قررت المضي على خطى جماعة «الإخوان المسلمين» في التفكير السياسي، لكنها لم تمتلك المؤهلات العلمية نفسها التي امتلكها مؤسس جماعة «الإخوان» الإمام حسن البنا.

بطبيعة الحال هذا الأمر قديم قدم الزمن، ففي عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذهب بعض الشباب إليه يسألونه عن عباداته، وعندما أخبرهم؛ «كأنهم تقالوها»، (أيّ وجدوها قليلة) كما قالت زوجته السيدة عائشة (رضي الله عنها)، فقال أحدهم: «أما أنا فأصوم ولا أفطر»، وقال آخر: «فأما أنا لا أتزوج النساء»، وقال ثالث: «وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام»، فرد عليه رسول الله بقوله: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».

هذا يؤكد أنه في عهد الرسول(صلى الله عليه وسلم)، كان كثر يتصورون القدرة على العبادات أكثر من رسول الله ذاته، في ضوء فهمهم الضيق للإسلام باعتباره عبادات فقط، وهو أمر غير صحيح فالإسلام عبادات وسلوكيات وعلاقات اجتماعية وغيرها من أسس، وعلى الإنسان أن يوزع جهده على نواحي الإسلام كافة ليكون معتدلاً لا مغالياً.

ما مفهوم العنف وأنواعه المتعلقة بالتطرف الديني؟

بالنسبة إلى التطرف الديني، هناك العنف بمعناه العام وهو إكراه الآخرين على فعل ما يراه المتطرف صحيحاً، بهدف صناعة بيئة خاصة وتقديم خطاب معين، من شأنه أن يرهب الآخرين ويرغمهم على أن يكونوا مثله تماماً. وهو يتدرج في هذا العنف، من العنف في الأداء على نفسه، فينظر إلى من أمامه على أنهم مقصرون في الدين لأنهم لا يحذون حذوه ويبدي لهم ذلك بالملاحظة، ويأتي بعد ذلك العنف اللفظي فيظهر عندما يصفهم المتطرف بـ{الفسق» و{الخروج عن الدين»، وعند حدوث أيّ نوع من الاشتباك اللفظي، يعطي هذا المتطرف لنفسه الحق في أن يجبر الآخرين على العنف باستخدام القوة المادية.

 هذا على المستوى الشخصي، أما على مستوى الجماعات فقد مارست كل أنواع العنف السابقة الذكر، فضلاً عن اللجوء إلى العنف المسلح لإجبار الدول والمؤسسات على تنفيذ ما تريد.

العنف لا نهاية له، يبدأ من التصرف العنيف للشخص مع نفسه ثم محاولة إظهاره للآخرين، ثم إظهار الآخرين كأنهم أقل منه شأناً، ثم إجبارهم على العنف ثم تسفيههم، بعد ذلك قد يضغط عليهم بشتى الوسائل التي قد تصل إلى حدّ القتل.

كيف يتعامل المرء مع العنف اللفظي؟

 

العنف، جملةً، حرمه الإسلام عندما قال عز وجل «لا إكراه في الدين»، والدين هنا كلمة تعني كل مناهج الحياة وليس الإسلام فقط، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال للكفار: «لكم دينكم ولي دين»، بمعنى أن لكم منهج حياتكم ولي منهج حياة، فأنا أتصرف بموجب إسلاميّ وأنتم تتصرفون بموجب ما تسمونه «أعراف المجتمع» أو «أعراف الجاهلية» أو ما شابه ذلك، فالمنهج والطريقة هما الدين، ولا يجوز للمسلم أن يقهر الآخرين من أجل إجبارهم على ولوج طريقة معينة للحياة، وليس أمامه إلا أن يتعامل معهم بالتي هي أحسن، بالشرح والتفصيل حتى يقتنعوا من ذات أنفسهم، فالعنف كله ممنوع في الإسلام.

أما عن الوسيلة التي لا بد من أن يتعامل بها الإنسان العادي مع المتطرف، فعليه أن يتأسى بقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يُلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} [فصلت:34-35]، فالقاعدة واضحة وهي الجدال بالحسنى، بل إن القرآن وضع أسس التعامل مع الآخر المختلف دينياً، فيقول سبحانه وتعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم...} [الممتحنة:8]، فالأية الكريمة تضع الإطار العام للتعامل مع غير المسلم، لأن الإسلام يريد من حملته أن يكونوا متسامحين مع الآخرين ويضربوا لهم المثل في الحوار الراقي القائم على الاحترام على رغم الاختلاف، إذا لم يتعدَّ علينا الآخر، من هنا ترى ألا حجة على أحد في أن يقول إن الإسلام دين عنف فليس في الإسلام أيّ عنف.

بماذا تبرر لجوء بعض التيارات الدينية المتشددة إلى حديث «من رأى منكم منكراً فليغيره» لتبرير العنف؟

أعتقد أن هذا ناتج من الفهم القصير للدين الإسلامي، لأن العلماء الذين فسروا هذا الحديث اعتمدوا في تفسيرهم على منظومة الأخلاق الإسلامية، فإذا قال أحد ما إنني أرى منكراً ويجب تغييره، رد عليه العلماء أن تغيير المنكر لا ينبغي أن يتولد عنه منكر أكبر، فالحديث يطبق مع مراعاة حالة المجتمع وفقاً للضوابط التي وضعها العلماء، فالمنكرات مطلوب بطبيعة الحال التنبيه عليها وكشفها أمام الجميع، بل وتربية النشء بعيداً عنها، ولكن إذا كنت فرداً في وسط مجتمع يرتكب منكرات ثم دخلت معه في عراك قد يؤدي هذا إلى فقدان حياتك.

وخطاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، موجه إلى المجتمع المسلم عموماً، لذلك على المسلمين أن يتعلموا في المقام الأول ما هو صحيح الدين حتى يستطيعوا معرفة من يخالف صحيح الدين، فيعملون على تقويمه بالنصح والإقناع، بمعنى أن ابعاده عن المنكر لا يكون بالمفهوم التقليدي أي «القتال» أو «الجهاد»، فهذا ليس من شأن المسلمين قط، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، قال: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»، قيل: «يا رسول الله ما بال المقتول»، قال: «لقد كان حريصاً على قتل صاحبه»، لذا لا بد من أن تكون عملية تغيير المنكر بما لا يترتب عليه المنكر الأكبر وهو القتل.

ما رأيك في اتهام الغرب للإسلام والمسلمين بالتطرف؟

في الحقيقة الغرب لا يتهم جميع المسلمين، فأنا درست في الغرب، وعشت مع الناس هناك حياة إنسانية طيبة، لكن ثمة مسلمين ممن يعيشون داخل المجتمعات الغربية يمارسون أعمالاً فجة بالنسبة إلى المجتمع الغربي لأنها تخالف أعرافه، كونه مجتمعاً له قانون ينظمه، فالحكومات الغربية تسمح للمسلم بالصلاة والعبادة وحرية الرأي، لكن عندما يسعى المسلم إلى تحويل هذا المجتمع إلى مجتمع إسلامي بالقوة، فهنا يتم إعمال القانون، بل إن بعض المسلمين من الذين لم يفهموا الإسلام فهماً جيداً، يمارسون أعمالاً مخالفة للدين ومنافية للفطرة وللحضارة الإسلامية بحجة أنهم يعيشون في مجتمع كافر، والمجتمعات الغربية تأخذ الشخص بالانطباع الأول، فإذا كذب عليها مرة وسرق شيئاً مرة أخرى، تعتبره إنساناً خارجاً على القانون وتتخذ منه موقفاً حاسماً.

لكن الخطاب الاستشراقي يسعى في بعض الأحيان إلى تنميط صورة الإسلام.

لو كان الأمر مقصوراً على العلماء وعلى مقولات المستشرقين فهو سهل، لأن علماء المسلمين ردوا عليهم وفندوا هذا الهجوم وأقنعوهم بصحيح الإسلام، لكن القضية الأساسية هي أن تذهب بهذه الحقائق إلى المجتمعات التي لم تقرأ عن الإسلام ولم تعرفه على حقيقته إلا من خلال كتابات المستشرقين الذين أعطوا صورة منقوصة عن الإسلام.

يحكم المستشرق على الإسلام بقدر اجتهاده في الدراسة والتحصيل، حيث تقع في يده مراجع معينة تؤدي به إلى هذا التصور، لا سيما إذا كانت مكتوبة في بلاد الغرب، فيصور المسلمين على أنهم أهل عنف. لكن في الواقع عندما تتحاور معه ستكون النتيجة أكثر إيجابية، والدليل على ذلك أن معظم الذين أسلموا من المستشرقين، وعلينا أن نستخدم هؤلاء في توصيل الصورة الصحيحة للإسلام بعيداً عن الصورة النمطية المغلوطة.

هل صحيح أن الغرب يناصب المنطقة العربية العداء ويريد لها التخلف والرجعية؟

للعالم الغربي منافع في المنطقة العربية واحتياجات معينة، أساسها الحفاظ على أمن إسرائيل، الحصول على النفط والبترول بسعر رخيص، أن تبقى هذه الدول متخلفة لتكون أسواقاً استهلاكية لمصانع الغرب، وهذا ما تحرص عليه الحكومات الغربية في المنطقة.

في ما يتعلق بإسرائيل أجبرت الحكومات الغربية الجميع على عقد اتفاقات معها، أما النفط فالشركات العاملة في منطقتنا أجنبية، ويودع المال الفائض في البنوك الغربية. القضية الثالثة، أي تخلف المنطقة فهي أحد أهم أهداف الغرب، لذا يقيم حصاراً تكنولوجياً على المنطقة، كي لا تصل إلى المستوى العلمي الذي عليه الغرب، ويصدّر إلينا أجهزة متخلفة ويحجب عنا معلومات معينة ترتبط بالتكنولوجيا الفائقة.

إذا سمح الإسلاميون الذين وصلوا إلى السلطة بتحقيق هذه الأهداف الغربية فلا خوف منهم بنظر الغرب، لكن في حال بدأت شعوب ما تستقلّ بقرارها وتطبّق سياسة الثروة الوطنية، يتدخل الغرب لإسقاطها.

 إذن علاقتنا مع الغرب ليست مرتبطة بالدين، بل علاقة مصالح بالدرجة الأولى، والحديث عن تشريعات تتعلق بتطبيق الشريعة من خلال فهم قاصر للدين، كقانون «حد الحرابة» يصب في مصلحة الغرب، لأن هذه التشريعات تساهم في تخلف مجتمعنا.

كيف ترى تأثير وصول تيار الإسلام السياسي إلى الحكم في دول الربيع العربي؟

لدينا نماذج محددة في العالم العربي والإسلامي تحكمها تيارات الإسلام السياسي، كالسودان ومصر (سابقاً) وتونس وأفغانستان، ومجمل هذه التجارب لم تستطع تقديم الإسلام في ثوبه الحضاري المتكامل، بل قدمت منه أجزاء وأسقطت منه أجزاء كثيرة.

أعتقد أن المحصلة في النهاية سلبية، والسبب في ذلك أن الإسلاميين انتقلوا إلى السلطة من دون أيّ دراية بالإسلام كدين له جوانب متعددة، وعبروا بأفهامهم المجتزئة عن الدين إلى مرحلة الممارسة على أنها الإسلام كله، فوقعوا في أخطاء في حق الدين وفي حق الشعوب وفي حق أنفسهم، فإدارة الدول بالمعنى الإسلامي الحضاري العميق تحتاج علماً غزيراً.

ما صحة نسبة ارتكاب أعضاء جماعة «الإخوان» لحوادث عنف وقتل تاريخية؟

الروايات التاريخية عن هذه الأحداث كلها صحيحة، فمنهم من شاهد الفعل ومنهم من لم يشاهده والأخير دائماً ينكره، لكن الذي ارتكب الفعل اعترف ووثق هذا الاعتراف في كتب منشورة، فأعضاء «التنظيم الخاص»، الذراع العسكرية للإخوان، مارسوا العنف وأقروا بذلك، هذه أمور لا يمكن إنكارها بالدليل التاريخي واعتراف أصحابها.

كيف تقرأ عبارة مؤسس الجماعة، حسن البنا «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين» في وصف مرتكبي حادث اغتيال النقراشي باشا؟

كان اعترافاً بالخطأ، وهو الذي أنشأ التنظيم السري ثم فلت عقاله من يديه ولم يعد قادراً على أن يتحكّم به، وفي اللحظة التاريخية التي رأى فيها البنا الجماعة كلها تنهار بسبب أفعال هذا التنظيم الطائشة، حاول معه كثيراً ولكن لم يستطع، فقال هذه العبارة لأن أعضاءه خرجوا من دائرة السمع والطاعة التي كان يمارسها عليهم، وهو بقوله هذا لم يكفّرهم، بل كان يقصد أنهم ليسوا مسلمين في هذه الأفعال، كانت لحظة توبة بالنسبة إليه.

لكن أعضاء الجماعة يبررون الآن لجوء «البنا» إلى العنف.

المسألة كلها كانت تلقائية، فحسن البنا الذي تخرج في كلية دار العلوم ذهب إلى الإسماعيلية ليعلم فيها وسط حي الفقراء المسلمين الذين كانوا يعملون جميعاً في المعسكر الإنكليزي، وكانت علاقة هؤلاء المصريين بالمعسكر الإنكليزي علاقة السيد بالعبد، ومن ينظر إلى تاريخ حسن البنا يرى أنه أسس جمعيات كثيرة قبل هذه اللحظة التاريخية، لأنه كان يعتنق فكرة أنه عندما يذهب إلى مكان يجمع الناس ليعلّمهم، لذلك أول عمل له كان الذهاب إلى الناس في المقهى ليعلمهم، هذه كانت طبيعته.

في الإسماعيلية حاول البنا أن يرتب وينظم مَن حَوله من خلال تأسيس جمعية خيرية استمرت حتى استشعر الإنكليز أن مريدي حسن البنا يقومون بتصرفات شاذة داخل المعسكر من خلال رفض أوامر الإنكليز، بالتالي باتوا غير صالحين للعمل، فأمروا وزارة التعليم أن تنقله إلى القاهرة التي كانت بالنسبة إليه مجالا أوسع لنشر الدعوة. هنا لا بد من أن نؤكد أن ما حدث داخل «الإخوان» من انحرافات ظاهرة أيضاً طبيعية.

في سطور:

الدكتور عبد الستار المليجي، )أستاذ في كلية العلوم بجامعة قناة السويس(، أحد القيادات الإصلاحية في جماعة «الإخوان المسلمين». التحق بها سنة 1975، تدرج داخلها حتى وصل إلى منصب عضو مجلس «شورى الجماعة»، وكان مسؤولاً عن القيادات الجامعية للإخوان، فساهم في ضم آلاف الشباب إلى الجماعة طوال الثمانينيات ومطلع التسعينيات، قبل أن ينشقّ عن «الإخوان» سنة 2005، بعد خلاف بينه وبين مجلس «شورى الجماعة» ومكتب الإرشاد، بسبب النهج المتشدد للإخوان المسلمين، على أثر سيطرة التنظيم السري على الجماعة، وفرض رؤيته التكفيرية على المجتمع.