وجهة نظر: العزف على أسطوانة مشروخة!
استمرار العزف على قضية إسقاط القروض الاستهلاكية والمقسطة أو إسقاط فوائدها بغرض التكسب السياسي بات أمرا ممجوجا، لا يمكن له أن يسهم في معالجة المشكلة بقدر ما يسهم في تفاقمها وإطالة أمد دغدغة مشاعر المقترضين المتعثرين، وتعطيل كل إمكانية محتملة لديهم في تسوية تبعات تعثرهم، سواء من خلال آلية صندوق المتعثرين أو أي آليات أخرى.
ضحايا البنوكهناك شريحة لا بأس بها من المقترضين ممن كانوا ضحية قيام بنوك محلية بتوفير تسهيلات ائتمانية لهم، تتضمن معدلات مخاطرة عالية نسبيا، ما كان ينبغي على البنك وليس المقترض قبولها. فآلية حساب الفوائد المركبة وهامش التقلبات المحتملة في أسعار الفائدة، وتفسير النصوص القانونية الواردة في عقد اتفاقية القرض أمور تدرك البنوك تفاصيلها وتبعاتها بدرجات تفوق قدرة المقترضين البسطاء على فهمها وتوقع حدوثها. ومن المنطقي تماما أن هذه البنوك كانت على علم مسبق بأن دفعات سداد الكثير من قروضها متضمنة الفوائد ستتجاوز النسبة القانونية المصرح بها لعبء استقطاع الدين من دخل المقترض، وأن معدلات الاستقطاع هذه ستفوق قدرة المقترض على الالتزام بالسداد.وقد صدر القانون رقم 28 لسنة 2008 بشأن إنشاء صندوق لمعالجة أوضاع المواطنين المتعثرين يمول من الاحتياطي العام للدولة، والذي عدل لاحقا بالقانون رقم 51 لسنة 2010 إدراكا من السلطتين التشريعية والتنفيذية بحجم الغبن والضرر الذي لحق بهذه الشريحة من المواطنين، وبمخالفة البنوك للتعليمات والضوابط الصادرة عن البنك المركزي بشأن هذه القروض. وقد أتاح القانون للمقترض فرصة التظلم من غبن البنوك، وإعادة جدولة القرض، واعتبار المبالغ التي احتسبتها البنوك بما يتجاوز حد الاستقطاع القانوني جزءا من دفعات سداد القرض. التكسب السياسيوحتى منتصف العام الماضي وصل عدد المواطنين المتقدمين للاستفادة من الصندوق إلى نحو 29 ألفا. ولولا استمرار محاولات التكسب السياسي من هذه القضية طوال السنوات الماضية لكان عدد المتقدمين لتسوية مديونياتهم وفق آلية الصندوق قد تضاعف.في 26 يناير الماضي، توافقت اللجنة المالية في مجلس الأمة على إسقاط فوائد تلك القروض، ومنح غير المقترضين ألف دينار لكل مواطن، يستخدم في سداد مستحقات الدولة المترتبة عليهم نظير خدماتها المقدمة لهم «تعويضا لهم عن الظلم الذي قد يلحق بهم، بسبب عدم استفادتهم من القروض المجانية التي حصل عليها المقترضون». وهذا حل يكرس ليس مجانية القرض فحسب، بل مجانية الكهرباء والماء والاتصالات، وغيرها من المنافع العامة، وهو في الحالتين يتضمن غبنا للمقترضين وغير المقترضين معا.أما المقترح الآخر، وهو صندوق الأسرة «الدائم»، الذي يمكن للمقترض المتعثر الاستفادة منه في حال الاعسار، فيحمل هو الآخر مخاطرة تزايد حالات الإعسار الوهمي، وقد يصبح الإعسار في ظله هو القاعدة، والالتزام بأداء «الأمانات إلى أهلها» هو الاستثناء. وأرى أن توفير تسهيلات ائتمانية ميسرة بأسعار فائدة متدنية للأسر المعوزة بعد التأكد من حاجاتها والتزاماتها الضرورية، أجدى نفعا وأسلم عاقبة من مقترح صندوق الأسرة المطروح للتداول في الوقت الحاضر، وللكويت تجربة رائدة على هذا المسار حين أنشأت بنك التسليف والادخار في عام 1965. *أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت