مشروع الفنيين الترزية
بينما يصرح رئيس المجلس الحكومي علي الراشد بأن المجلس لن يتردد في تعديل قانون الإعلام الموحد، يؤكد الشيخ سلمان الحمود وزير إعلام "وزارة الحقيقة" (أورويل ١٩٨٤) أن الوزارة لن تسحب مشروعها، وأن فنيين متخصصين وضعوا مثل هذا المشروع...! وفي هذا يظهر أن الطرفين، وهما مجلس الحكومة وحكومة المجلس، متفقان على تمرير مشروع القانون في آخر الأمر. فعلي الراشد المعبر عن لسان المجلس يقرر أن "المجلس لن يتردد في التعديل"، وكأن تعديل المشروع هو بيت القصيد، بينما المأساة تكمن في أن المشروع من ألفه إلى يائه ينتهك الدستور المنسي، وأبسط المبادئ المقررة لحقوق الإنسان وحرية التعبير، ويضع الإعلام الخاص كملحق خدم لوزارة الحقيقة ذات السيادة والقوامة، فالنضال يجب ألا يكون من أجل تعديل مادة هنا، أو مادة هناك، تلامس مسائل شكلية، بينما يظل صلب مشروع "تخزيم" الإعلام على حاله، وعلى عوراته، المطلوب هو نسف هذا المشروع بكامله، فقانون الجزاء، وقانون المطبوعات رقم ٣ لسنة ٢٠٠٦ فيهما من الشرور التي تنهش من حريات الضمير بأكثر من المطلوب، ولا حاجة، بعد ذلك، لابتلاع القليل مما تبقى من حقوقنا في أن نتنفس بهذا الجو الخانق.
بدورها، تصر وزارة الحقيقة على غطرستها، وعلى تأكيد ولايتها على عقولنا حين ترفض سحب المشروع، مقررة أن فنيين وضعوا المشروع، الله يهدي هذه الوزارة، ويهدي معها ترزيتها وكل أفراد سوق الخياطين العاملين بكل حكومتها، لكن كم أتمنى أن يكف الوزير الشيخ عن ترديد عبارة أن المشروع يخلو من السجن عدا "المساس بالذات الإلهية أو الملائكة أو الأنبياء..."، أدرك أن حشر عقوبة السجن عشر سنوات في المادة ٨٧ أريد به أن تكون الطعم للجماعات الإسلامية المعارضة حتى لا تكون لهم حجة في الاعتراض على المشروع، بينما الواقع أن المشروع يحيل على قانون الجزاء، بجرائم أمن الدولة الداخلي وبعقوبة العشر سنوات أيضاً لمخالفة الفقرة ٢ من المادة ٨٤، التي تنص على مسائل مجرمة منها "... {الدعوة} إلى اعتناق مذاهب ترمي إلى هدم النظم الأساسية في الكويت بطرق غير مشروعة..." تلك الفقرة الخطيرة أسوأ مما عددته المادة ٢٩ من قانون الجزاء، فتلك الفقرة من مشروع وزارة الحقيقة، تضفي العقوبة ذاتها ليس على الحالات التي قررتها المادة ٢٩ من قانون الجزاء فقط، وإنما تمدها وتوسع من نطاقها لتشمل الإعلام برمته، فهنا تمت توسعة الإدانة لتصل إلى إرهاب مخيف للفكر، فما هي تلك "المذاهب" التي ترمي إلى هدم النظم الأساسية في الدولة...؟ وكيف يمكن ضبطها وتحديد معانيها...؟! بدوري لا أفهم أياً من تلك المذاهب التي يقررها المشروع، لكني أدرك، يقيناً، أن مذهباً واحداً يهدف إلى "... هدم النظم الأساسية في الكويت..." هو مذهب السلطة الذي تتبعه الآن، أليس مثل هذا المشروع أحد تجلياته؟!